تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتبني كل أمة لمشروع فكري أو ثقافي أمر مشروع بمقتضى السنة الكونية: فتدافع المشاريع الفكرية أمر لا مناص منه، فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، وإن رغم أنف أصحاب نظرية حوار الحضارات المزعوم، فليس ثم إلا صراع أو هدنة مؤقتة، فللغرب مشروعه الفكري الذي حشد له الأجناد عسكريا وسياسيا واقتصاديا وإعلاميا ...... إلخ، وللفرس مشروعهم الفكري الذي برز إلى الوجود بروزا ظاهرا بعد ثورة 79، وبعد غزو العراق الأخير، وكل مشروع يمثل حلما جميلا لصاحبه يسعى إلى تحقيقه، وذلك، بمقتضى سنة التدافع آنفة الذكر، أمر طبيعي، ولكن الأمر غير الطبيعي أن يعمد مفلس ليس له أي رصيد تقريبا في بنك الواقع فيقتبس حلم غيره، أو يتسول مشاهد منه، إن شئت الدقة، كما هو حال العلمانيين الذين تسولوا مشروعهم من فتات موائد الغرب الفكرية، فالعلمانية منتج غربي خالص، لا يصلح، إن كان فيه وجه صلاح ابتداء، إلا لمن ابتكره، وكما هو حال المخدوعين بثقافة المقاومة والممانعة المزعومة، فإنها لا تمثل الجمهرة من المسلمين أو حتى العرب، فلا تصلح بحال لتكون معقد ولاء وبراء تلتف حوله شعوب المنطقة، التي تعاني الآن من الإفلاس الحضاري مع كونها الوحيدة التي تملك إرثا دينيا صحيحا لا يقاوم، فمعها أعظم أدوات الحضارة الإنسانية الحقيقية، حضارة الدين والأخلاق، فحالها كما قال الشاعر:

كالعيس في البَيْداء يقتلها الظما ******* والماء فوق ظهورها محمول.

ولا شك أن رواج هذه المشاريع الفكرية المنحرفة في كثير من بلاد المسلمين برسم البطولة التي يصدق الواقع المرئي، على أقل تقدير، جزءا منها، وإن كانت بطولة تصب في قناة مشروع فكري يباين معتقد السواد الأعظم من المسلمين، فالخلاف بين المذهبين عميق، بل يكاد يكون كاملا، وإن هون من شأنه من هون، ولعل حال أهل السنة في العراق خير شاهد على ذلك، فإن الخلاف السائغ لا يستدعي سفك الدماء وانتهاك الحرمات!، لا شك أن هذا الرواج مع الآلة الدعائية الإعلامية الفعالة التي تحسن الاتجار بقضية المسلمين الأولى، قضية البيت المقدس وأكنافه، وغزة منها، بطبيعة الحال، لا شك أن هذا الرواج مع خمول ذكر القيادات الرسمية في كل بلاد المسلمين تقريبا، وانسياق كثير من أهل العلم وراءهم، بعد أن تضخمت آلات السمع والطاعة لأمراء المؤمنين المعاصرين عندهم! فصار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بضوابطه الشرعية، مظنة التطرف ومئنة من انتحال طريقة الخوارج، فلا حسبة لأهل الحل والعقد من العلماء إلا ما رحم الرب، جل وعلا، لا شك أن هذا الرواج الإعلامي لأي فكر منحرف، في بيئة خاملة تفتقر إلى قدوات شرعية صحيحة المعتقد والمسلك، راسخة العلم لا سيما في زمن الفتن والنوازل التي تذهل فيها العقول، مجردة من حظوظ النفس، لا شك أن هذا الرواج أمر طبيعي، بل الطبيعي ألا يقع.

وقد صارت أوروبا، كما يذكر بعض الفضلاء المعاصرين، متنفسا لمن أراد نصرة أهل غزة، فمؤتمرات المناصرة ممنوعة في أغلب بلاد المسلمين، ولجان التبرع شبه معطلة، والأفواه مكممة، والأيدي مقيدة، فلا دور لأغلب المنابر الدعوية أو حتى المدنية من نقابات أو جمعيات خيرية ..... إلخ، بخلاف دول أوروبا التي تنشط فيها مؤسسات المجتمع المدني، ولو من منطلق إنساني بحت، على طريقة من نقض صحيفة المقاطعة لبني هاشم وبني المطلب، من كفار قريش، فعندهم وعند كثير من كفار اليوم، مروءة تفوق مروءة كثير من المسلمين، وهو أمر يستوجب الشكر بمقتضى العدل فهو واجب للموافق والمخالف، بل الموافق في زماننا قد استوجب بمقتضى العدل أيضا: الذم والهجر، وكثير يتساءل في ظل هذه الأزمات عن سر: ذيوع التطرف والغلو في مجتمعات المسلمين، فيفوته أن ذلك هو رد الفعل الطبيعي بمقتضى ما جبل عليه البشر من دفع الغلو بغلو آخر يضاده في الاتجاه، فمن غلو في التخاذل إلى غلو في الاحتساب والإنكار على أهل الزيغ دون مراعاة للضوابط والقيود الشرعية، والمصالح والمفاسد المعتبرة، ودون إرشاد من أهل العلم، لغيابهم اختيارا أو اضطرارا، لأصحاب النفوس الحائرة إلى واجب الوقت الذي تحصل بامتثاله المصلحة الشرعية فلا يقع التهارج داخل المجتمع المسلم لما تسببه تلك النوازل من ضغط عصبي شديد يؤدي غالبا إلى وقوع الشر وذيوع الفوضى.

وحال مجتمعاتنا الآن: فرصة كبيرة لكل مدع للبطولة لينال تأييد الجماهير التي اشتاقت إلى المخلص!.

وإلى الله المشتكى.

ـ[الخبراني]ــــــــ[13 - 05 - 2010, 01:51 م]ـ

جزيت خيرا

إنا لله وإنا إليه راجعون

ـ[محمد التويجري]ــــــــ[13 - 05 - 2010, 05:35 م]ـ

إنا لله وإنا إليه راجعون

ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[14 - 05 - 2010, 01:53 ص]ـ

من كتاب المقالات بل الإبداع هنا , بل من القلة القليلة التي تجلس في برج للمراقبة على بحر الواقع الكبير , أي أنك مؤتمن ولست بمنأى عمَّا يدور حولك , وعادة ما أجد نفسي بطبيعة الحال أمام كل إبداع منطوق أو مقروء , أن لا أتفوه ولو بكلمة واحدة إلا إذا , قرأت أكثر من مرة , ومقالاتك خاصة أشعر أن بينها وبين ما أكتب من مقالات , علاقة متأصلة , لهذا دعني أذهب لأرتب ما يجب أن يقال لك , لأن مثل تلك المقالات يجب أن تُناقش بكل ما فيها , من إثراء للعقل وتأمل بفهم للواقع , كما أتمنى وضع مثل تلك المقالات , في الأعلى , أي استخدام ما يُسمّى التثبيت من قبل أحد الأخوة أو إحدى الأخوات "المشرفين " , باركهم الله , (ليتم التفريق بينها وبين الغث الكثير الذي قد انتشر مؤخراً في أروقة الفصيح) أخي جزيت خيراً هنيهة وأعود بإذن الله ,.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير