يا الله، أين الرحمة؟! أين حق الأم؟! قلت: أبشري، ستكلمينه وباستمرار، لكن بودي أن تساعديني في محاولة الرفع من مستواه. شجعيه على الاجتهاد؛ لنحاولَ تغييره، لنبعث بذلك رسالة إلى والده. قالت: والده! (سامحه الله). كنت له نِعمَ الزوجة، ولكن ما أقول إلا: الله يسامحه، ثم قالت: المهم أريد أن أكلمهما، وأسمع صوتهما. قلت: حالاً، لكن كما وعدتني لا تتحدثي في مشاكله مع زوجة أبيه أو أبيه. قالت: سمعًا وطوعًا. دعوت ياسرًا وأيمن َ إلى غرفة المدير، وأغلقتُ البابَ. قلت: ياسر، هذي أمك تريد أن تكلمك. لم ينبسْ ببنتِ شفةٍ أسرعَ إليَّ، وأخذ السماعة من يدي، وقال: أمي .. أمي .. أمي .. تحوّلَ الحديثُ إلى بكاء ٍ!
إذا اختلطتْ دموع ٌ في خدود ٍ ** تبيّنَ مَنْ بكى ممَنْ تَبَاكا
تركته يفرغ ألمًا ملأ فؤادَه، وشوقًا سكن قلبه. حدثها خمس عشرة دقيقة ً أما أيمن فكان حديثها معه قصة أخرى كان بكاءً وصُراخًا من الطرفين، ثم أخذتُ السماعة َ منهما، وكأنني أقطع طرفًا من جسمي، فقالت لي: سأدعو لك ليلاً ونهارًا، لكن لا تحرمني من ياسر وأخيه، ولا يعلم بذلك والدهما. قلت: لن تُحرمي من محادثتهما بعد اليوم - بإذن الله - وودعتها. قلت لياسر - بعد أن وضعت سماعة الهاتف -: انصرف، وهذه المكالمة مكافأة لك على اهتمامك الفترة الماضية. وسأكررها لك إن اجتهدت أكثر.
عاد الصغير، فقبَّل يدي، وخرج وقد افترت عن ثغره الصغير ابتسامة فرح ورضًا. قال: أعدك يا أستاذ أن أجتهد وأجتهد. مضت الأيام، وياسر من حسن إلى أحسن. يتغلب على مشاكله شيئًا فشيئًا. رأيتُ فيه رجلاً يعتمد عليه. في نهاية الفصل الأول ظهرت النتائجُ، فإذا بياسر الذي اعتاد أن يكون ترتيبه بعد العشرين في فصل عدد طلابه ستة وعشرين طالبًا يحصل على الترتيب (السابع). فدعوته إليَّ، وقد أحضرتُ له ولأخيه هدية قيمة، وقلت له: نتيجتك هذه هي رسالة إلى والدك، ثم سلمته الهدية وشهادة تقدير على تحسنه، وأرفقت بها رسالة مغلقة بعثتها لأبيه كتبتها كما لم أكتب رسالة من قبل. كانت من عدة صفحات. بعثتها، ولم أعلم ما سيكون أثرها وقبولها من عدمه. خالفني البعض ممن استشرتهم، وأيدني البعض. خشينا أن يشعر بالتدخل في خصوصياته، ولكن الأمانة والمعاناة التي شعرت بها دعت إلى كل ما سبق. ذهب ياسر يوم الاثنين بالشهادة والرسالة والهدية بعد أن أكدت عليه أن يضعها بيد والده.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء جئتُ للمدرسة الساعة َ السابعة َ صباحًا، وإذ بياسر قد لبس أجمل الملابس يمسك بيده رجلٌ حسنُ الهيئة ِ والهندام ِ. أسرع إليَّ ياسر، وسلمت عليه، وجذبني حتى يقبل رأسي، وقال: أستاذ، هذا أبي .. هذا أبي.
ليتكم رأيتم الفرحة في عيون الصغير!
ليتكم رأيتم الاعتزاز بوالده!
ليتكم معي لشعرتم بسعادة لا تدانيها سعادة!
أقبل الرجل، فسلم عليّ، وفاجأني برغبته تقبيل رأسي، فأبيت، فأقسم أن يفعل!
أردت الحديث معه فقال: أخي، لا تزد جراحي جراحًا.
يكفيني ما سمعته من ياسر وأيمن عن معاناتهما مع ابنة عمي (زوجتي)!
نعم، أنا الجاني والمجني عليه!
أنا الظالم والمظلوم!
فقط أعدك أن تتغير أحوالُ ياسر وأيمن، وأن أعوضهما عما مضى. بالفعل تغيرت أحوال ياسر وأيمن. فأصبحا من المتفوقين، وأصبحت زيارتهما لأمهما بشكل مستمر.
قال الأب - وهو يودعني -: ليتك تعتبر ياسرًا ابنًا لك. قلت له: كم يشرفني أن يكون ياسر ولدي.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[18 - 07 - 2008, 04:10 م]ـ
لله درك أيها المفضال يا رفيق دربنا على موضوعك الماتع
ولعلها إضاءة لمن يتلمس طريقه في الحياة التعليمية، ويحتاج إلى نبراس يقوده في الحالك من الطريق ..
رفع الله قدرك وأجزل لك العطاء ..
ـ[أبو لين]ــــــــ[18 - 07 - 2008, 04:27 م]ـ
ما أجملَ هذا الموقف! , حقيقة لقد اقشعر جسدي , ودمعت عيناي , ما أروعَ هذا المعلم! , أنعم به من معلم وأكرم! .....
أخي عبد العزيز (طرحك جميل ,,, وأسلوبك عالٍ ... وأنت تملك كنوز ليتك تستثمرها ... قلمك , وفكرك , وأخلاقك العالية (ما شاء الله تبارك الله).
وقد أوقعت نفسك في ورطة بفتح هذه النافذة فنحن نتعطش للمزيد لطرحك الرائع .. (ابتسامة محب).
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[18 - 07 - 2008, 07:47 م]ـ
لله درك أيها المفضال يا رفيق دربنا على موضوعك الماتع
ولعلها إضاءة لمن يتلمس طريقه في الحياة التعليمية، ويحتاج إلى نبراس يقوده في الحالك من الطريق ..
رفع الله قدرك وأجزل لك العطاء ..
سلام عليكم ورحمة الله ... الشكر لله أن نال الموضوع إعجابك؛ فأنت شخص يستحق الإكرام والتقدير أخي مغربيًّا. دام نجمك مشعًّا سيدي.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[18 - 07 - 2008, 07:50 م]ـ
ما أجملَ هذا الموقف! , حقيقة لقد اقشعر جسدي , ودمعت عيناي , ما أروعَ هذا المعلم! , أنعم به من معلم وأكرم! .....
أخي عبد العزيز (طرحك جميل ,,, وأسلوبك عالٍ ... وأنت تملك كنوز ليتك تستثمرها ... قلمك , وفكرك , وأخلاقك العالية (ما شاء الله تبارك الله).
وقد أوقعت نفسك في ورطة بفتح هذه النافذة فنحن نتعطش للمزيد لطرحك الرائع .. (ابتسامة محب).
:) أبا لين جزاك الله خيرًا. غمرتني يا رجل حتى أخفيتني من شدة الوضوح! (هذه بيني وبينك):)
¥