((الجزء العاشر " صداقة حقيقية "))
.... دخلَ عاملٌ هنديّ وبيده " كيس " به ساندويتش ومشروب غازي ..
أظن أنني رأيته يخرج من المدرسة حين قدمت ..
غير أنه رحّب بي قائلا: " تفزّل تفزّل "
فقاطعهُ صوت ..
" فين الساندويتش ياعبد القيوم " ..
عبدالقيوم: "ها مدير ".
المدير: " هيا روح صف سادس وأعطي ولدي سعد ".
وبلفته سريعة نحوي .. أربكَتني قليلا ..
المدير: " هلا أخوي "
أنا: هلا أستاذ.
المدير: أي خدمة.
أنا: أبد الله يسلمك بس أنا مدرس جديد وهذه صورةٌ من خطاب مباشرتي.
المدير: " أين الأصل؟ "
أنا: سلمتهُ لمركز الإشراف منذ الأسبوع الماضي ..
تغيرت ملامحهُ .. وتحدث بصوت منخفض: " من بدايتها بيجيب لنا المشاكل " ..
على الفور قلت: المدرسة لم تفتح بابها .. هل علينا أن ننتظر أسبوعا كاملا عند الباب؟!!
المدير: " خلاص خلاص .. بس إن شاء الله تكون مدرس رياضيات , مسكين الأستاذ محمود - فلسطيني الجنسية - نبغى نريحه شوي , له 25 سنة ومافي عندنا إلا هو وعبدالله المدرس اللي جانا العام الماضي " ..
أنا: لا والله أنا تخصصي كيمياء ... للأسف.
المدير: " آهاااا .. إيش فيها إدارة التعليم هذي؟! نقولها نبغى رياضيات تجيب لنا على كيفها .. كيمياء واحنا مدرسة ابتدائي ومتوسط!!!!! "
أنا: ............ (لم أقل شيئا)
المدير: " عموما أهلين فيك " ..
أنا: شكرا .. تسلم.
المدير: " إلا أنت من وين؟؟ أكيد مو من المنطقة كلها؟؟؟ "
أنا: أكيد أكيد طبعا ..
أنا من المنطقة الجنوبية .. من جزر فرسان ..
المدير: " الله يعينك ".
أنا: إن شاء الله .. وبعدين بسيطة كلها 2000 كم من البيت
قطع حوارنا زميلٌ جديد هو الآخر ..
اسمه" فهد "
كان من حائل ..
كان مهذبا للغاية ..
ولطيفًا جدًّا , وهذه سمة أهل حائل كما تأكدتُ لاحقًا ..
حوار المدير تكرر معه تماما عندما علم أن تخصصه دراسات قرآنية.
لكنه أضاف .... " عندنا نقص في الاجتماعيات , وواضح أنك تستطيع تدريسها "
فهد: ... (يكتفي بابتسامه)
المدير: " طيب خلاص الحين اتركوا صور خطاباتكم عندي وروحوا رتبوا أوضاعكم وبكرة تعالوا .. ومرة أشوف إيش سالفة هالإدارة " ..
أنا: يعني كمان اليوم نروح؟!!!!
المدير: " إيييه .. وش يقعدكم من أول يوم؟! "
أنا: طيب .. زي ماتشوف .. يللا نشوفكم بكرة على خير ..
المدير: " هلا ............. "
خرجنا سويةً أنا وفهد ..
قرأْتُ في ملامحِهِ علامات الحيرة ..
كان قد وصلَ للتوِّ .. ولايعرف شيئا عن المنطقة ..
أنا أكثر خبرةً منهُ بأسبوع ..
لكنه بالطبع لم يكن أسبوعا عاديا.
دعوتهُ أن يأتيَ معيَ .. وأن نسكنَ معًا إن رغب ..
لا أخفيكم .. فقد ارتحت لهذا الرجل بالرغم من أنني لم أره إلا قبل الدقائق الخمس الماضية ..
وهو أيضًا كما يقول: فقد وجدَ بي مايريده من صديقٍ حقيقيّ ..
ومن هنا بدأت قصةُ صداقةٍ حقيقية تستمرُّ إلى يومكم هذا والحمدلله ..
مضيْنا كلّ في سيارتهِ متجهينَ إلى ذات الغرفة ..
وعرضَ علينا عبدالله " اليمنيّ " موظف الاستقبال شقةً صغيرةً من غرفتين كانت قد أخليت قبل ساعة فقبلنا بها ..
وبعد صلاة العصر ..
قررنا أن نخرج لنعرف أسرار المنطقة أكثر وأكثر ..
ابتعدنا قليلا عن المنطقة السكنية ..
ولفت انتباهنا كثرة المساجد الصغيرة المتناثرة والقديمة ..
كأنها تنتظر نسمة هواء فتسقط ..
نفس الصورة رأيناها في أكثر من طريق هنا ..
حان وقت صلاة المغرب ..
وعانينا إلى أن فتحنا باب أحدها ..
يبدو أن لا أحدَ جاءَ إلى هنا منذ وقت طويل ..
حال هذا المسجد لايختلف عن البقية ..
مافائدة كثرة المساجد دون مصلين؟
كيف تكون بيوت الله بهذه الصورة؟
هل هي تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف؟
هل هناك رواتب تصرف لإمام ومؤذن وعامل؟
أسئلة كثيرة تداولناها بعد فراغنا من الصلاة ...
إلى أن قطع حديثنا رنينُ هاتفِي ....
**********
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[07 - 08 - 2008, 03:40 م]ـ
((الجزء الحادي عشر " المثلث المشتعل "))
كان سكرتير عميد الكلية التي تخرجتُ منها ..
يُفيدُني بحلول موعد تقديم طلبات الإعادة بالكلية وأنّ العمادة رشحتني وتطلب مني تقديم أوراقي ..
" الفرحةُ كبيرةٌ بداخلي "
هذا كان مخططا من قبل.
بعد سنة النكسة ...
- نكسة الثالث الثانوي - ..
عاهدتُ نفسي أن أعود للتفوق مرةً أخرى ..
أن أكون متميزًا في كل شيء ..
وأن أُلقي كلمة الخريجين في حفل التخرج.
وأن أجتهد لأكمل دراستي بعد أن أعمل معيدًا في الكلية ..
تفوقت ..
تميزت ..
حصدت عدة جوائز داخل الملكة وخارجها في الأنشطة الأدبية ..
وألقيتُ كلمة الخريجين ..
وبقيَ أن أعمل معيدًا وأن أكمل دراستي وأضع استراتيجيةً جديدةً بعد ذلك ..
لا أبالغ ..
هكذا كنتُ أمضي ..
أرسلتُ لهم كافَّة أوراقي ..
على أن نتواصل معًا بكلِّ مايستجدُّ ..
واستمريت في تدريسي بذات المدرسة ..
كنتُ وفهد وسعود مدرس التربية البدنية نختلف عن الجميع ..
أنا مسؤول عن الأنشطة اللامنهجية جميعها ..
وفهد مسؤول عن التوعية الإسلامية ..
وسعود عن الأنشطة الرياضية , والإذاعة المدرسية
وحَقّقت المدرسةُ لأول مرة في تاريخها المراكز الأولى على مستوى المنطقة ..
سعود كان من مدينةٍ تبعدُ مائتي كيلو متر فقط ..
وكان يتردَّدُ يوميا لأنه عريسٌ جديد
إلا أنه يجتمع معنا بين الحين والآخر إما نحن عنده وإما هو عندنا ..
شكلنا مثلثا يشتعل نشاطًا ..
وأصبح الحديث دائمًا يدور حول هذا المثلث ..
مرةً أخرى يتصل بي سكرتير العميد محددا لموعد مقابلةٍ شخصية واختبار تحريري ..
وهذا مني .. وإلى مدير المدرسة مع التحية
*********
¥