تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكي يتمكن البشر من إدراك مدى الإعجاز الموجود في مخلوقات الله فقد اقتضت حكمة الله أن يخلقها وفق أسس علمية واضحة وقوانين ثابتة وعلى مدى فترات زمنية محددة على الرغم من أن الله قادر على خلقها من العدم في لحظة واحدة وبلا قوانين.

فعندما أراد الله عز وجل أن يخلق السموات والأرض من الدخان خيرهما الله بين أن يتكونا طوعاًأو كرهاًفاختارا الطريقة الطوعية في إشارة إلى أن خلقهما سيتم وفق قوانين فيزيائية أودعها الله مادة هذا الكون مصداقا لقوله تعالى "ثمّ استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين" فصلت 11. وما ينطبق على السموات والأرض من قبول خلقهما بطريقة طوعية ينطبق على كل ما خلق الله من مخلوقات في هذا الكون حيث أكد القرآن الكريم على أن هذه المخلوقات قد تم خلقها وفق تقدير بالغ لقوله تعالى "وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا" الفرقان 2 وقوله تعالى "إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر" القمر 49 وقوله تعالى "صنع الله الذي أتقن كلّ شيء" النمل 88. ومما يثير الاستغراب أن بعض المسلمين لا يعجبهم أن العلماء في مختلف تخصصاتهم يعملون على كشف أسرار تحول الدخان إلى هذا الكون البديع أو تحول الكرة الأرضية البدائية إلى أرض صالحة لظهور الحياة عليها أو تحول تراب الأرض الميت إلى هذه الملايين من أنواع الكائنات الحية. وحجة هؤلاء الناس أنه إذا تمكن العلماء من معرفة طريقة تصنيع ما في هذا الكون من مخلوقات وأنها تمت وفق أسس علمية محددة فإن هذا ينفي أن يكون الله قد تدخل في تصنيعها. ولكن العكس هو الصحيح فمعرفة الطرق التي خلق الله بها مخلوقاته وفق القوانين التي تحكم هذا الكون هي التي ستقود الناس للاعتراف بوجود خالق لا حدود لعلمه وقدرته إذا ما تبين لهم أن ذلك الأمر يستحيل أن يكون قد تم بالصدفة وصدق الله العظيم القائل "سنريهم ءاياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ أولم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد" فصلت 53 والقائل سبحانه "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربّك بغافل عمّا تعملون" النمل 93.

ونعود بعد هذه المقدمة لشرح الآية التي هي عنوان هذه المقالة وهي قول الله تعالى في محكم تنزيله "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" غافر 57. فهذه الآية تفيد بأن عملية خلق السموات والأرض أعقد من عملية خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة. إن تعقيد عمليات تصنيع الأشياء من موادها الخام لا يرتبط بالضرورة بحجمها فالتعقيد الموجود في عملية تصنيع راديو أو آلة حاسبة أو جهاز هاتف خلوي بحجم الكف يفوق أضعافاً مضاعفة التعقيد الموجود في تصنيع خزانة من الخشب أو بيت من الحجر. ولو أن تعقيد عملية تصنيع الأشياء يرتبط بحجمها فإن كل الناس يعلمون أن حجم السموات والأرض يزيد ببلايين المرات عن حجم الإنسان وبالتالي فلا داعي للقول بأن خلقها أعقد من خلق الإنسان. ولكن بما أن الآية القرآنية أشارت إلى أن أكثر الناس لا يعلمون حقيقة أن خلق السموات والأرض أعقد من خلق الناس فلا بد أن يكون التعقيد في عملية خلق السموات والأرض لا يعود لحجمها بل لشيء آخر فيها. ولقد فطن المفسرون إلى هذه الحقيقة فقالوا في تفسير هذه الآية أن السموات والأرض خلقت من العدم بينما تم خلق الناس من التراب ومن الواضح أن خلق الأشياء من العدم أصعب من خلقها من موادها الخام. ولكن فات هؤلاء المفسرون أن الله قد ذكر في كتابه الكريم أنه خلق السموات والأرض من الدخان وليس مباشرة من العدم وكذا هو الحال مع الناس الذين خلقهم من التراب الذي سبق أن خلقه الله من العدم. لقد ذكر الله هذه الحقيقة وترك للبشر بما آتاهم الله من عقول أن يكتشفوا الطريقة التي خلقت من خلالها السموات والأرض والطريقة التي خلق من خلالها الناس ليتيقنوا صدق هذه الحقيقة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير