تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وسنشرح الآن الخطوط العريضة لطريقة خلق الناس وطريقة خلق السموات والأرض وسيتبين لنا بعد مقارنة الطريقتين صدق ما أكد عليه القرآن من أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس. لقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يصنع من التراب نسخة واحدة فقط من كل نوع من أنواع الكائنات الحية ومن ثم تم برمجتها بحيث يمكنها القيام بتصنيع نسخ عنها بطريقة تلقائية. فعملية خلق الإنسان وبقية الكائنات الحية تمت على مرحلتين مرحلة خلق الأصول من التراب ومرحلة خلق الأفراد من أصولها باستخدام خلية واحدة فقط مصداقا لقوله تعالى "أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا" الكهف 37. ولولا أن طريقة التصنيع الذاتية هذه تحدث أمام أعين البشر كل يوم لما ترددوا في تكذيب فكرة أن يقوم الشيء بتصنيع نسخة عن نفسه من تلقاء نفسه ولقالوا أن ذلك ضرب من الخيال. لقد تبين لعلماء الأحياء أن عملية تصنيع جميع أنواع الكائنات الحية تبدأ من خلية واحدة وعند إمداد هذه الخلية بما تحتاجه من غذاء فإنها تبدأ بالانقسام المتكرر وفقا للتعليمات الصادرة عن برنامج التصنيع الموجود في داخلها بحيث تأخذ كل خلية من الخلايا الناتجة المكان المخصص لها في جسم الكائن. إن الذي قام بكتابة برامج تصنيع الكائنات الحية لم يكتف ببرمجة الخلية الحية بحيث يمكنها إنتاج كائن حي لمرة واحدة فقط بل قام ببرمجة خلايا الكائن الحي بحيث يمكنه إنتاج خلية حية تكاثرية تقوم بتصنيع كائن جديد يقوم بدوره بإنتاج خلية جديدة وهكذا دواليك. وباستثناء التزاوج والرعاية فإن جميع الكائنات الحية لا تتدخل أبدا في عملية تصنيع نسخا عنها فالإنسان الذي يمتلك القدرة على تصنيع الأشياء يقف مكتوف الأيدي إذا ما فشل جسمه أو جسم زوجه في إنتاج خلايا التكاثر التي تنتج منهما إنسانا جديدا. وعلى الرغم من أن البشر في هذا العصر يعلمون تماما أن عملية التحول هذه تتم وفق أسس علمية تمكن علماء الأحياء من كشف كثير من تفاصيلها إلا أنهم يقفون عاجزين تمام العجز عن تصنيع أبسط أنواع هذه الكائنات بل إنهم أعجز من تصنيع أبسط أنواع المواد العضوية التي تقوم الخلايا الحية بتصنيعها بكل سهولة ويسر. إن عملية تصنيع الكائنات الحية التي تعد أنواعها بعشرات الملايين ابتداءا من خلية واحدة فيها نفس المكونات ياستثناء معلومات التصنيع المخزنة على أشرطتها الوراثية هي معجزة كبرى تحدى الله البشر للإتيان بمثلها في قوله سبحانه "ياأيّها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حقّ قدره إنّ الله لقويّ عزيز" الحج 73. إن تمكن علماء الأحياء من معرفة بعض أسرار عملية التصنيع الذاتية هذه تزيد من إعجاز هذه المعجزة فإذا كان كفار البشر يعتبرون المعجزات التى أتى بها الأنبياء ضربا من السحر فإن هذه العملية لا سحر فيها بل فيها من إتقان الصنع ما يدل على صانع لا حدود لعلمه وقدرته.

إن السر الأعظم في طريقة التصنيع الذاتية هو في كتابة كامل تعليمات التصنيع على أشرطة طويلة ودقيقة من الحامض النووي بطريقة رقمية باستخدام أربعة حروف فقط وكلمات بطول ثلاثة حروف. ويتم تنفيذ تعليمات التصنيع من قبل مكونات موجودة في الخلية ليس لها عقل تفكر به ولا بصر ترى به ولا أرجل تتحرك بها ولا أيدي تمسك بها. وقد اكتشف العلماء أن جميع أنواع الشيفرات المخزنة على الأشرطة الوراثية هي شيفرات لتمثيل الأحماض الأمينية العشرين التي تعتبر اللبنات الأساسية لتصنيع جميع أنواع البروتينات. وقد تمكن العلماء من كشف السر الثاني من أسرار طريقة التصنيع الذاتية

تبين للعلماء أن السلاسل البروتينية أحادية البعد يمكنها أن تلتف على نفسها بطريقة محددة لتنتج جزيئات ثلاثية الأبعاد بأشكال وأحجام وخصائص فيزيائية وكيميائية مختلفة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير