تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتجربة صلاح الدين، التي سبقت الإشارة إليها، هي طوق النجاة الحقيقي لـ "بيت المقدس"، إذ لم تكن هذه التجربة الفريدة صدفة، أو خبط عشواء، وإنما سبقتها مراحل إعداد عقدي وسياسي وعسكري طويلة بدأت من زمن عماد الدين زنكي، رحمه الله، زعيم الأسرة الزنكية، الذي نجح في كسر الحاجز النفسي، باسترداد إمارة "الرها" من أيدي الصليبيين، سنة 539هـ، ومن بعده "نور الدين محمود" الملقب بـ "الشهيد"، الذي خرج صلاح الدين من عباءته، إذ وحد الجبهة الشامية، ثم تطلع إلى مصر الحبيبة، ذات الثقل الاستراتيجي، والتي كانت ترزح تحت نير الاحتلال العبيدي الإسماعيلي، فأرسل أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين إلى مصر، وجاء دور صلاح الدين، الذي بدأ بتمحيص الجبهة الإسلامية قبل الشروع في رحلة الجهاد المقدس، إذ أبطل رسم بني عبيد، سنة 567 هـ، فعادت مصر لأهل السنة، وتنفس أهلها الصعداء، وتوحدت الجبهة المصرية والشامية، لتبدأ الرحلة التي استمرت 16 سنة كاملة!!!!، قبل أن يعود بيت المقدس إلى أهله سنة 583 هـ، بعد انتصار حطين العظيم بعام واحد، بعد غياب 91 سنة، (من: 492 إلى 583 هـ)، والنصر مع الصبر!!!

وبغير هذا المنهج، لا أمل في عودة بيت المقدس، ولو تحالفنا مع أمم الشرق والغرب، وجلسنا على موائد المفاوضات عشرات السنين.

والصورة الثانية:

من حي "البلديات"، الذي يقطنه إخواننا الفلسطينيون اللاجئون في بغداد الحبيبة، ردها الله على الموحدين، إذ أفرد لهم برنامج "خبر وتعليق" على قناة "المجد" الفضائية حلقة كاملة تحدث فيها بعض إخواننا عن معاناتهم الكبيرة في ظل الحكومة الحالية التي أعطت الضوء الأخضر للميليشيات الطائفية، وكان لإخواننا الفلسطينيين نصيب، أي نصيب، من المعاناة الإنسانية في العراق، فالطلبة قد أحجموا عن الذهاب لكلياتهم ومدارسهم خشية القتل والاختطاف، والآباء قعدوا عن طلب الرزق، وتركوا أعمالهم لذات السبب، والخدمات الطبية والإنسانية شبه معدومة، وقد عرضت القناة صورا للحي يرجع تاريخها إلى شهر نوفمبر سنة 2005، تظهر مدى الأزمة الإنسانية التي يعيشها إخواننا في هذا الحي المحاصر، إذ لا تخطئ العين برك الصرف الصحي الطافح، وتلال القمامة التي انتشرت في أرجاء الحي، ووصل الحصار لدرجة عجز السكان عن دفن موتاهم في المقابر المجهزة لذلك، كما قال أحد المتصلين، وإحجام النسوة عن الولادة في المستشفيات العامة، لئلا يفتضح أمرهن إذا تكلمن باللهجة الفلسطينية، واضطر السكان لبيع ممتلكاتهم بعشر الثمن لتوفير القوت الضروري، ومن يخرج من محيط الحي، فمآله مشرحة الطب العدلي في بغداد، ومن يذهب لاستلامه من أهله، مآله نفس المكان .......... وهكذا، ولو رأى المناطقة الذين يبحثون مسألة "التسلسل"، هذه السلسلة المأساوية لوجدوا فيها مادة خصبة للدراسة والتأمل!!!!!، مع أنها في الحقيقة سلسلة قد تنتهي بقتل كل أفراد الأسرة!!!.

وما يطلبه إخواننا الآن أمر واحد فقط: طريق نجاة للخروج من العراق إلى أي دولة مجاورة، فقط طريق نجاة، ولو خرجوا بلا أي ممتلكات، هذا ما قاله أحد المتصلين مبديا دهشته من تجاهل الرئاسة والحكومة الفلسطينيتين لهذه المأساة الإنسانية، ومتسائلا بلهجته الفلسطينية: هل يريدنا إخواننا في فلسطين أم أن أمرنا لا يعنيهم في ظل خلافاتهم الداخلية؟!!!!.

وأمر الفلسطينيين، عجيب، فقد كتب عليهم تحمل العبء الأكبر من معاناة الأمة الإسلامية طوال القرن الماضي، فقتلوا وهجروا من ديارهم، بل وطوردوا في أرض المهجر، وما أحداث أيلول سنة 1970 في الأردن منا ببعيد، بغض النظر عن تفاصيلها، وما مذابح المخيمات الفلسطينية في لبنان أوائل الثمانينيات منا ببعيد، إذ تحالفت الميليشيات الطائفية مع جيوش الدولة العبرية اللقيطة لتصفية اللاجئين الفلسطينيين، واليوم يتعرض القوم لذات التصفية في العراق، ولا مغيث إلا الله عز وجل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير