تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذان الأصلان هما تحقيق "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله"، كما قال تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، قال الفضيل بن عياض، عابد الحرمين، رحمه الله: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟، قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، "كمن أخلص في التعبد ببدعة"، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، "كمن تعبد بعبادة صحيحة مع فساد في نيته". والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وذلك تحقيق قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).

وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يقول في دعائه: (اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا).

وقال الله تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)، وهذا هو الأصل الثاني: "المتابعة"، فلا مشرع إلا الله عز وجل.

وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

وفي لفظ في الصحيح: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).

فشملت الروايتان: محدث البدعة الذي يتبعه الناس، وفاعلها الذي يتبع محدثها.

وفي الصحيح وغيره أيضا يقول الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه برئ، وهو كله للذي أشرك).

بتصرف، ص183.

فهذه الثنائية: (الإخلاص والمتابعة) هي قوام دين الله، عز وجل، لا استقلال لإخلاص بلا متابعة، أو متابعة بلا إخلاص.

وإن كان المخطئ، قد يعذر بجهله، إذا قام في قلبه إخلاص، كمن يتعبد الله، عز وجل، بإقامة الموالد أو المآتم لرجال صالحين أو ائمة متبعين، أو حتى فساق غلا الناس فيهم، فإنه إن كان جاهلا غير مفرط في طلب الحق، وإنما خفي عليه، فتعبد الله، عز وجل، بهذه البدع، فإنه لا يأثم، بل قد يثاب على نيته الصالحة فما فعل ذلك إلا تقربا لله عز وجل.

بخلاف العالم الذي يعلم فساد هذه البدع، ومع ذلك يفعلها، تقليدا، أو خوفا من مخالفة العامة، أو حرصا على جاه ورياسة يزولان بزوال هذه البدع، كحال غالب رؤوس البدع، لا سيما مشايخ الطرق، الذين يحصل لهم ولأتباعهم من هذه البدع: جاه ورياسة ورزق حرام يبذله العوام عن طيب نفس، تارة، وقهرا وظلما تارة أخرى، كما هو الحال في البلاد التي استشرى فيها هذا الطاعون الذي فتك بعقائد المسلمين، فقدسوا المخلوق الفاني وتوجهوا إليه بالدعاء، بزعم التوسل به، وأعرضوا عن الخالق الباقي.

وبخلاف من فرط في طلب الحق، مع قدرته، فسار مع السائرين، مقلدا لانشغاله بدنياه، فهذان الصنفان لا يعذران كالصنف الأول.

وقد أشار ابن تيمية، رحمه الله، لهذه النكتة فقال:

"وقد علم أن العبادة المشتملة على وصف مكروه قد تغفر تلك الكراهة لصاحبها لاجتهاده أو تقليده أو حسناته أو غير ذلك ثم ذلك لا يمنع أن يعلم أن ذلك مكروه ينهى عنه وإن كان هذا الفاعل المعين قد زال موجب الكراهة في حقه.

ومن هنا يغلط كثير من الناس فإنهم يبلغهم أن بعض الأعيان من الصالحين عبدوا عبادة أو دعوا دعاء وجدوا أثر تلك العبادة وذلك الدعاء فيجعلون ذلك دليلا على استحسان تلك العبادة والدعاء ويجعلون ذلك العمل سنة كأنه قد فعله نبي وهذا غلط لما ذكرناه خصوصا إذا كان ذلك العمل إنما كان أثره بصدق قام بقلب فاعله حين الفعل ثم تفعله الأتباع صورة لا صدقا فيضربون به لأنه ليس العمل مشروعا فلا يكون لهم الثواب المتبعين ولا قام بهم صدق ذلك الفاعل الذي لعله بصدق الطلب وصحة القصد يكفر عن الفاعل.

ومن هذا الباب ما يحكى من آثار لبعض الشيوخ حصلت في السماع المبتدع فإن تلك الآثار إنما كانت عن أحوال قامت بقلوب أولئك الرجال حركها محرك كانوا في سماعه إما مجتهدين وإما مقصرين تقصيرا غمره حسنات قصدهم فيأخذ الأتباع حضور صورة السماع حضور أولئك الرجال سنة تتبع وليس مع المقلدين من الصدق والقصد ما لأجله عذروا أو غفر لهم فيهلكون بذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير