ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 05 - 2007, 09:43 ص]ـ
وعن ثنائية: الكرم والشجاعة.
عن ثنائية لا يقوم الدين إلا بها، فلا قوام للدين إلا بـ:
نفوس شجاعة لا تهاب الموت في سبيله.
ونفوس سخية لا تعرف للمال وظيفة إلا: إنفاقه في سبيل الله.
وهي ثنائية اتفق عليها عقلاء الأمم، حتى كان أهل الجاهلية يشربون الخمر لأنها سبيل من سبل الكرم والشجاعة، إذ فاقد العقل لا يأبه بخطر يتهدد حياته، أو إسراف يتهدد ماله.
يقول الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، رحمه الله، في "الرحيق المختوم"، في معرض بيانه لخلال العرب قبل الإسلام:
"وكان من نتائج كرمهم أنهم كانوا يتمدحون بشرب الخمور، لا لأنها مفخرة في ذاتها، بل لأنها سبيل من سبل الكرم، ومما يسهل السَّرَف على النفس، ولأجل ذلك كانوا يسمون شَجَرَ العنب بالكَرْم، وخَمْرَه بِبِنْتِ الكرم. وإذا نظرت إلى دواوين أشعارالجاهلية تجد ذلك بابًا من أبواب المديح والفخر ................ وكان من نتائج عزة النفس والإباء عن قبول الخسف والضيم اللذان اتصفا بهما العرب: فرط الشجاعة وشدة الغيرة، وسرعة الانفعال، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل والهوان إلا قاموا إلى السيف والسنان، وأثاروا الحروب العوان، وكانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل". اهـ بتصرف.
عن هذه الثنائية يقول أبو العباس رحمه الله:
"فإن النفوس لا تصبر على المر إلا بنوع من الحلو لا يمكن غير ذلك ولهذا أمر الله تعالى بتأليف القلوب حتى جعل للمؤلفة قلوبهم نصيبا فى الصدقات، وقال تعالى لنبيه: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، وقال تعالى: (وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة).
فلا بد أن يصبر وأن يرحم وهذا هو: الشجاعة والكرم.
ولهذا يقرن الله بين الصلاة والزكاة تارة وهي الإحسان إلى الخلق وبينهما وبين الصبر تارة ولابد من الثلاثة الصلاة والزكاة والصبر لا تقوم مصلحة المؤمنين إلا بذلك فى صلاح نفوسهم وإصلاح غيرهم لا سيما كلما قويت الفتنة والمحنة فالحاجة الى ذلك تكون أشد فالحاجة الى السماحة والصبر عامة لجميع بنى آدم لا تقوم مصلحة دينهم ولا دنياهم إلا به.
ولهذا جمعيهم يتمادحون بالشجاعة والكرم حتى أن ذلك عامة ما يمدح به الشعراء فى شعرهم وكذلك يتذامون بالبخل والجبن والقضايا التى يتفق عليها بنوا آدم لا تكون إلا حقا كاتفاقهم على مدح الصدق والعدل وذم الكذب والظلم، وقد قال النبي لما سأله الأعراب حتى اضطروه الى سمرة فتعلقت بردائه فالتفت اليهم وقال: (والذي نفسى بيده لو أن عندي عدد هذه العضاه نعما لقسمته عليكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا)، لكن يتنوع ذلك بتنوع المقاصد والصفات فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ولهذا جاء الكتاب والسنة بذم البخل والجبن ومدح الشجاعة والسماحة فى سبيله دون ما ليس فى سبيله فقال النبي: (شر ما فى المرء شح هالع وجبن خالع)، وقال: (من سيدكم يا بني سلمة فقالوا: الجد بن قيس على أنه نزنه بالبخل فقال: وأي داء أدوى من البخل)، وفي رواية: (إن السيد لا يكون بخيلا بل سيدكم الأبيض الجعد بشر البراء بن معرور)، وكذلك في الصحيح قول جابر بن عبد الله لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما: إما أن تعطيني وإما أن تبخل عني، فقال: تقول وإما أن تبخل عني! وأي داء أدوى من البخل، فجعل البخل من أعظم الأمراض.
وفي صحيح مسلم عن سلمان بن ربيعة قال: قال عمر قسم النبى صلى الله عليه و سلم قسما فقلت: يا رسول الله والله لغير هؤلاء أحق به منهم، فقال: (إنهم خيرونى بين أن يسألوني بالفحش وبين أن يبخلوني ولست بباخل). يقول إنهم يسألوني مسألة لا تصلح فإن أعطيتهم وإلا قالوا: هو بخيل فقد خيروني بين أمرين مكرهين لا يتركوني من أحدهما: المسألة الفاحشة والتبخيل والتبخيل أشد فأدفع الأشد بإعطائهم".
"مجموع الفتاوى"، (28/ 154_156).
وقد ذم الله، عز وجل، البخل والجبن، في كثير من آي القرآن، فقال في
ذم البخل: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
¥