تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويوم حنين، فر من فر من المسلمين، وثبت صلى الله عليه وسلم على بغلته يقودها أبو سفيان بن الحارث، رضي الله عنه، وفي مسلم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: (أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَلَّى وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ مِنْ النَّاسِ وَحُسَّرٌ إِلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ هَوَازِنَ وَهُمْ قَوْمٌ رُمَاةٌ فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَانْكَشَفُوا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ فَنَزَلَ وَدَعَا وَاسْتَنْصَرَ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ.

اللَّهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ، قَالَ الْبَرَاءُ: كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

وكان صلى الله عليه وسلم: مهاب الجانب: من رآه هابه، ومن خالطه أحبه، فظهرت آثار شجاعته الباطنة على ظاهره فهابه أشجع الرجال.

وتجلت شجاعته ورباطة جأشه في رحلة الهجرة التي صحبه فيها الصديق الأعظم: أبو بكر، رضي الله عنه، فكان، بلا مرية، أشجع هذه الأمة بعد نبيها.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام:

حقيقة الشجاعة، فكثير منا، لاسيما من أدمن مشاهدة أفلام الحركة أو ما يسمى بـ: أفلام ( Action) ، يظن الشجاعة: أجساما ضخمة وعضلات مفتولة، فتراهم يواظبون على حصص رياضية شاقة مع التهام كميات ضخمة من الأطعمة والأشربة، فضلا عن كثير من المستحضرات الكيميائية التي تساعد على تكوين العضلات، وهي مستحضرات ذات أعراض جانبية خطرة تظهر على المدى الطويل، وعلى الرغم من ذلك يقبل عليها كثير من الشباب، لتنتفخ أجسادهم، كما ينتفخ الدجاج الذي يخلط طعامه بالهرمونات، لينمو قبل أوانه، تقليدا لفلان أو فلان من الأبطال "الوهميين" لأفلام الحركة!!!!.

وملاك الشجاعة، كما يقول ابن تيمية رحمه الله:

"الصبر الذي يتضمن قوة القلب وثباته ولهذا قال تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)، وقال تعالى: (يا أيها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).

والشجاعة ليست هي قوة البدن فقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب وإنما هي قوة القلب وثباته فإن القتال مداره على قوة البدن وصنعته للقتال وعلى قوة القلب وخبرته به والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة دون التهور الذي لا يفكر صاحبه ولا يميز بين المحمود والمذموم ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد"

الاستقامة، (2/ 270، 271).

ويفسر الشجاعة في موضع آخر، فيقول:

"والشجاعة تفسر بشيئين:

أحدهما: قوة القلب وثباته عند المخاوف.

والثاني: شدة القتال بالبدن بأن يقتل كثيرا ويقتل قتلا عظيما.

والأول هو الشجاعة وأما الثاني فيدل على قوة البدن وعمله، وليس كل من كان قوي البدن كان قوي القلب ولا بالعكس ولهذا تجد الرجل الذي يقتل كثيرا ويقاتل إذا كان معه من يؤمنه إذا خاف أصابه الجبن وانخلع قلبه، وتجد الرجل الثابت القلب الذي لم يقتل بيديه كثيرا ثابتا في المخاوف مقداما على المكاره وهذه الخصلة يحتاج إليها في أمراء الحروب وقواده ومقدميه أكثر من الأولى فإن المقدم إذا كان شجاع القلب ثابتا أقدم وثبت ولم ينهزم فقاتل معه أعوانه وإذا كان جبانا ضعيف القلب ذل ولم يقدم ولم يثبت ولو كان قوي البدن.

والنبي صلى الله عليه و سلم كان أكمل الناس في هذه الشجاعة التي هي المقصودة في أئمة الحرب ولم يقتل بيده إلا أبي بن خلف قتله يوم أحد ولم يقتل بيده أحدا لا قبلها ولا بعدها وكان أشجع من جميع الصحابة حتى أن جمهور أصحابه انهزموا يوم حنين وهو راكب على بغلة والبغلة لا تكر ولا تفر وهو يقدم عليها إلى ناحية العدو وهو يقول

... أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير