"منهاج السنة"، (8/ 77، 78).
وقال بعض الفضلاء: أسد يقود مائة أرنب خير من أرنب يقود مائة أسد، فما ظنك بمحمد صلى الله عليه وسلم: أشجع الناس، يقود عصابة أهل الإيمان؟!!!.
ويشير إلى حقيقة الشجاعة الدينية في كلمات موجزات فيقول:
"ومما ينبغي أن يعلم أن الشجاعة إنما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في سبيل الله وإلا فالشجاعة إذا لم يستعن بها صاحبها على الجهاد في سبيل الله كانت إما وبالا عليه إن استعان بها صاحبها على طاعة الشيطان وإما غير نافعة له إن استعملها فيما لا يقربه إلى الله تعالى.
فشجاعة علي والزبير وخالد وأبي دجانة والبراء بن مالك وأبي طلحة وغيرهم من شجعان الصحابة إنما صارت من فضائلهم لاستعانتهم بها على الجهاد في سبيل الله فإنهم بذلك استحقوا ما حمد الله به المجاهدين"
"منهاج السنة"، (8/ 86).
ويقول في موضع آخر:
"والله سبحانه حمد الشجاعة والسماحة في سبيله كما في الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (قيل يا رسول الله: الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
وقد قال سبحانه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، وذلك أن هذا هو المقصود الذي خلق الله الخلق له كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، فكل ما كان لأجل الغاية التي خلق له الخلق كان محمودا عند الله وهو الذي يبقى لصاحبه وينفعه الله به وهذه الأعمال هي الباقيات الصالحات".
الاستقامة، (2/ 284، 285).
ويقسم الناس في السماحة والشجاعة فيقول:
"ولهذا كان الناس أربعة أصناف:
من يعمل لله بشجاعة وبسماحة فهؤلاء هم المؤمنون المستحقون للجنة.
ومن يعمل لغير الله بشجاعة وسماحة فهذا ينتفع بذلك في الدنيا وليس له في الآخرة من خلاق، (وعلى هذا الصنف يجري قول الفاروق رضي الله عنه: "اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وضعف الثقة"، وكم شاهدنا في العصر الحاضر من رجال ونساء عملوا لغير الله بشجاعة وسماحة منقطعي النظير لعل من أبرزهم: من الرجال "جيفارا" الثائر الأرجنتيني الشهير، ومن النساء: "جولدا مائير"، رئيسة وزراء الدولة اللقيطة، التي كانت تعمل 16 ساعة متواصلة، إن لم تخني الذاكرة، من أجل دولتها اللقيطة!!!!!).
ومن يعمل لله لكن بلا شجاعة ولا سماحة فهذا فيه من النفاق ونقص الايمان بقدر ذلك
ومن لا يعمل لله ولا فيه شجاعة ولا سماحة فهذا ليس له دنيا ولا آخرة".
بتصرف من الاستقامة، (2/ 285).
وضد السماحة: الشح، وهو أمر جبلت عليه نفوس البشر فمن شأنها كما يقول ابن تيمية:
"أنها لا تحب اختصاص غيرها بشيء وزيادته عليها لكن تريد أن يحصل لها ما حصل له وهذا هو الغبطة التي هي أدنى نوعي الحسد فهي تريد الاستعلاء على الغير والاستئثار دونه أو تحسده وتتمنى زوال النعمة عنه وإن لم يحصل ففيها من إرادة العلو والفساد والاستكبار والحسد ما مقتضاه أنها تختص عن غيرها بالشهوات فكيف إذا رأت الغير قد استأثر عليها بذلك واختص بها دونها.
فالمعتدل منهم في ذلك الذي يحب الاشتراك والتساوي وأما الآخر فظلوم حسود وهذان يقعان في الأمور المباحة والأمور المحرمة لحق الله فما كان جنسه مباحا من أكل وشرب ونكاح ولباس وركوب وأموال اذا وقع فيها الاختصاص حصل بسببه الظلم والبخل والحسد وأصلها الشح، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: (إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا).
ولهذا قال الله تعالى في وصف الأنصار: (والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم)، أي من قبل المهاجرين، (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا)، أي لا يجدون الحسد مما أوتي إخوانهم من المهاجرين، (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، ثم قال: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
ورؤي عبد الرحمن بن عوف يطوف بالبيت ويقول: (رب قنى شح نفسي رب قني شح نفسي رب قنى شح نفسي)، فقيل له في ذلك فقال: إذا وقيت شح نفسي فقد وقيت البخل والظلم والقطيعة أو كما قال.
¥