ورواية البخاري، رحمه الله، وهي المعتمدة ليس فيها هذا الهراء، فضلا عن ورود حديث مرسل من رواية حميد بن عبد الرحمن يستأنس به في هذا الموضع فيه أن الصديق رضي الله عنه قال لسعد: "ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم"، فقال سعد عند ذلك: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء، وهذا المرسل في مسند أحمد رحمه الله.
وثانيها: أن يكون الخبر صحيحا، ولكن لهم فيه معاذير تخرجه عن أن يكون ذنبا.
وثالثها: أن تكون ذنوبا، فهي لا تقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة، لأن الذنب المحقق قد يرفع في الآخرة بأسباب متعددة، سبقت الإشارة إليها.
فبهذا المنهج المتزن في تقييم أقوال وأفعال الناس، استحق أهل السنة الاستئثار بلقب "الوسطية" في مسائل الأحكام والأسماء، فهم: أعلم الناس بالحق وأرحم الناس بالخلق موافقهم ومخالفهم.
يضاف إلى ذلك:
صحة مصادرهم، وتمحيصها وفق قواعد لنقد الأسانيد والمتون لا يشركهم فيها أحد بشهادة الموافق والمخالف، بل وبشهادة مستشرقي الغرب، وهم من هم في التشكيك في ثوابت دين الإسلام، ومع ذلك سلم واحد من أكابرهم وهو "مارجليوس" بهذه الحقيقة قائلا: "ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم"، وهو وإن عم إلا أنه يخص بالذكر أهل السنة والجماعة، بمفهومهم الواسع الذي يشمل الأشاعرة على وجه الخصوص فللقوم باع طويل في خدمة علم الحديث تصنيفا وشرحا، وكتاب البيهقي، رحمه الله، وهو من أفاضلهم، بل من أفاضل علماء المسلمين: "السنن الكبرى"، خير شاهد على ذلك، إذ هو من أجل مصنفات علم الحديث رواية في الإسلام.
، وما ذاك إلا لأن قواعد المحدثين في قبول الأخبار وردها قد فاقت كل وسائل التحقيق الحديثة، بمراحل، فلا تعرف أمة من الأمم، تستطيع إسناد نصوصها إلى نبيها صلى الله عليه وسلم بأسانيد محصت وقسمت، وعرف أحوال رواتها بالتفصيل، حتى عرف أن فلانا قد سمع من فلان كذا وكذا حديث، ولم يسمع حدسثا بعينه، أو جالسه وتحدث معه ولم يسمع منه حديثا واحدا، أو رآه ولم يجلس معه، أو عاصره ولم يلتق به، أو سمع عنه في الجملة ودلس عنه أخبارا، أو فلان ثقة في روايته إلا عن فلان، أو ثقة في أحاديث بلد دون آخر، أو ثقة إلى سنة كذا حيث ساء حفظه باختلاط أو تغير أو احتراق كتب ................ إلخ، من التفاصيل التي امتلأت بها مصنفات علوم الرجال والجرح والتعديل، وهذا ما يظهر جليا في استدلال أهل السنة واستدلال غيرهم، ففي الوقت الذي نقول فيه: قال الله، و قال الرسول صلى الله عليه وسلم بإسناد يرويه البخاري رجاله في أعلى درجات الصحة، أو يرويه مسلم، أو ............. إلخ، بأسانيد صحيحة أو حسنة أو جيدة ............ إلخ، نجد المخالف يستدل علينا بمرويات التواريخ التي لم تمحص كتاريخ الطبري، رحمه الله، أو تواريخ مشبوهة لم ترو بالإسناد، كتواريخ "اليعقوبي" و "المسعودي" المتهمان، أو كتب التفسير ومصنفوها لا يهتمون أيضا إلا بالمتون، أو كنب الأسمار كـ "الأغاني" و "العقد الفريد" و "ألف ليلة وليلة" و "رحلة ابن بطوطة"!!!!!!!!
وبإمكانك أن تراجع كتاب "كسر الصنم" ففيه نقد موضوعي لأحاديث المذهب قام به عالم فاضل من علماء المذهب، على شروط المذهب وليس على شروطنا، لكي تعرف الفارق بين البضاعتين!!!!.
والأمر أوضح من أن ينوه عنه، ولكن كما قال أبو الطيب:
ومن يك ذا فم مر مريض ****** يجد مرا به الماء الزلالا
وعذرا على هذه الإطالة، ولكن هذا الكلام المجمل والأحكام الشمولية الجائرة أثارتني لخروجها عن حد الاعتدال، ولا أخفيكم أنني، كواحد من أهل السنة والجماعة، أكن كل البغض، في الله لا لأغراض شخصية، لكل من يقدح في صحب محمد صلى الله عليه وسلم، فهم عند أهل السنة: خط أحمر!!!!
ولسان حالنا ونحن نخاطب من يقدح في صحب محمد صلى الله عليه وسلم:
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم ******* وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
الله يعلم أنا لا نحبكم ******* ولا نلومكم ألا تحبونا
والولاء والبراء من الطرفين يقتضي ذلك، ولا يمنع من الحوار إن كان على أسس جادة، لا لمجرد طرح الشبه والنيل من أعراض أقوام قد حطوا رحالهم في الجنة من مئات السنين.
كما أن من منهجنا: عدم القصد لهذا الأمر ابتداء، ولولا أن تكلم القوم لما تكلم أهل السنة، فالصحيح عند أهل السنة هو: الإمساك عما شجر بينهم، والاستغفار لكلهم.
ولنا في هذا الفضاء جناحان:
جناح الشافعي، رحمه الله، إذ يقول:
إن كان رفضا حب آل محمد ******* فليشهد الثقلان أني رافضي
وجناح أبي العباس إذ يقول:
إن كان نصبا حب صحب محمد ******* فليشهد الثقلان أني ناصبي
ولا نجاة بدون هذين الجناحين.
وليس بيننا وبين من يقدح في الصحب الكرام، أي ثأر شخصي، إلا الذب عن عرض محمد صلى الله عليه وسلم وعرض أصحابه، وثأر دمائنا وأعراضنا في البلاد التي استحلت فيها كالعراق، وهو لا يتعدى من اعتدى علينا في العراق إلى غيره.
والله أعلى وأعلم.
وأرجو ألا تحذف إدارة المنتدى الموضوع، وإن شاءت أغلقته، فما قصدت إساءة لأحد، وإنما قصدت الذب عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لعل الله، عز وجل، أن يحشرني معهم بهذه الكلمات.
والسلام.
¥