"وكذلك ما نقل من تكلم عمار في عثمان وقول الحسن فيه ونقل عنه أنه قال لقد كفر عثمان كفرة صلعاء وأن الحسن بن علي أنكر ذلك عليه وكذلك على وقال له يا عمار أتكفر برب آمن به عثمان وقد تبين أن الرجل المؤمن الذي هو ولي لله قد يعتقد كفر الرجل المؤمن الذي هو ولي لله ويكون مخطئا في هذا الاعتقاد ولا يقدح هذا في إيمان واحد منهما وولايته كما ثبت في الصحيح أن أسيد بن حضير قال لسعد بن عبادة بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم إنك منافق تجادل عن المنافقين وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحاطب بن أبي بلتعة دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه و سلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فعمر أفضل من عمار وعثمان أفضل من حاطب بن أبي بلتعة بدرجات كثيرة وحجة عمر فيما قال لحاطب أظهر من حجة عمار ومع هذا فكلاهما من أهل الجنة فكيف لا يكون عثمان وعمار من أهل الجنة وإن قال أحدهما للآخر ما قال مع أن طائفة من العلماء أنكروا أن يكون عمار قال ذلك".
"منهاج السنة"، (6/ 254، 255).
وكذا قيل بأن أبا الغادية سمع عمارا يقع في عثمان، رضي الله عن الجميع، إن سلمنا بصحة ذلك أصلا، فأضمر في نفسه قتله، انتصارا لعثمان، رضي الله عنه، فإن كانت القصة من أصلها كذبا، فقد كفينا تأويلها، وإن كانت صدقا، فلا إشكال عند أهل السنة، فيها، لأنها لا تخرج على ما سبق من كلام ابن تيمية، ولم يدع أحد لآحاد الصحابة، رضوان الله عليهم، العصمة، من الصغائر أو الكبائر، وإنما عصمتهم عصمة مجموع لا جميع، ولكن لهم من الفضل والسبق ما يجبر هذه الذنوب، ولو لم يكن لهم من الأمر شيء، إلا نصرة هذا الدين بأنفسهم وأموالهم، لكفاهم ذلك، كما يقول الخطيب البغدادي رحمه الله، فما بالك وقد تواترت النصوص في فضائلهم وعدالتهم، فلا ترد هذه النصوص الواضحات بآحاد الحوادث التي شجرت بينهم.
وما أجمل ما ختم به الحافظ الذهبي، رحمه الله، ترجمة "عمار" في "سير أعلام النبلاء"، إذ روى من طريق الأعمش وغيره، عن أبي وائل قال: رأى أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل ذا الكلاع وعمارا في قباب بيض بفناء الجنة فقال: ألم يقتل بعضكم بعضا؟ قال: بلى، ولكن وجدنا الله واسع المغفرة.
أخرجه ابن سعد 3/ 1 / 188 - 189.
والرؤى، وإن كانت ليست مصدرا تشريعيا، إلا أنها هنا مما يستأنس به، لاسيما وقد وافقت أدلة الباب المعدلة لكل الصحابة من دخل فيهم في الفتنة ومن لم يدخل.
ومرة أخرى لابد من التنبيه على خطورة انتهاج السياسة الانتقائية في مثل هذا الباب، فهذا الباب، إما أن تنظر فيه كله، وإما ألا يتكلم بآحاده التي تخضع لهوى المستدل.
ولدينا في هذا الأمر الشائك ثلاث قواعد ذهبية، أشار إليها ابن تيمية، رحمه الله، تكفل لنا الرد المجمل المحكم في نفس الوقت على أي شبهة ترد في هذا الموضع:
أولها: أن كثيرا مما نقل عما شجر بين الصحابة، رضوان الله عليهم، مما هو من المثالب، كذب كله، كما هو صنيع من يروي قصصا مرسل بلا إسناد، كـ "اليعقوبي" المتهم، الذي روى في "تاريخه" على سبيل المثال لا الحصر:
إكراه عمر لعلي على بيعة الصديق، رضي الله عن الجميع، وصرعه إياه، واقتحام داره في نفر من "الميليشيات"!!!!، لولا أن هددت فاطمة، رضي الله عنها، بكشف رأسها قائلة: والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله، فخرج القوم حياء!!!!!!، هكذا بلا أي سند، مع أنه متقدم على الطبري، رحمه الله، الذي أسند أخبار كتابه.
أو محرف بزيادة أو نقصان، كما فعل أبو مخنف في حادثة يوم السقيفة، لما جاء من كيسه باعتراض سعد بن عبادة على بيعة الصديق، رضي الله عنهما، بقوله: (أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي، وأخضب سنان رمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي، ومن أطاعني من قومي)، فكان سعد بعد ذلك لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم، ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم، فلم يزل كذلك هلك أبو بكر رحمه الله تعالى. هذه رواية أبي مخنف عند الطبري رحمه الله.
أي أن سعد بن عبادة، رضي الله عنه، قد تحول باصطلاح أهل عصرنا إلى "منشق" على الحكومة "البكرية" وحمل السلاح لإسقاطها!!!!.
¥