الروم وسارع خالد بقلب الجيش, حتى كان بين خيلهم وجنودهم وكان جنود الروم لا يدري ما العمل, فمكان القتال واسع للمطاردة, ضيق في الهروب, وهربت خيلهم في الصحراء, وتفرّقت في البلاد, بينما قضى خالد وجنوده على جنودهم الذين هربوا وتراجعوا الى خنادقهم, ولكن خالد لم يتركهم فاقتحم عليهم خنادقهم, وبايع عكرمة بن أبي جهل على الموت مع أربعمائة فارس منهم ضرار بن الأزور وقاتلوا وقتل منهم رجال فاستشهدوا وجرح آخرون, وانتهت المعركة بالنصر والاستشهاد لثلاثة آلاف من المسلمين منهم عكرمة وابنه وغيرهم. وفتحت الشام, وتحققت المعجزة النبوية الشريفة التي جاءت على لسانه u :" أوتيت مفاتيح الشام" وأبصر المسلمون قصورها الحمر كما أبصرها الرسول عند الصخرة, أما مفاتيح فارس فلنذهب اليها.
و من معجزاته r :" الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس, والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا, وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم ابشروا بالنصر". أطلقت هذه المعجزة على لسان رسول الله r في السنة الخامسة من الهجرة, وتحققت في سنة ست عشرة للهجرة, أي بعد إحدى عشرة سنة من قولها عليه السلام, ولكن كيف حدثت المعجزة العظيمة وهي دخول جيش المسلمين عاصمة أكبر قوة في العالم وقتها مع الروم الذين هزموا في اليرموك بالشام, انها المدائن عاصمة كسرى ملك الفرس, وما كان أحد يظن أن يعبر المسلمون أنهارا لكي يفتحوا المدائن, ولكن عقيدة المسلمين كانت متأكدة من ذلك لقول رسول الله r :" ان أمتي ظاهرة عليهم" وبشرهم بالنصر قائلا:" ابشروا بالنصر". وبدأت إرهاصات تحقيق هذه المعجزة بعد فتح سعد بن أبي وقاص بلدا يقال لها بهرسير بالقرب من بغداد, وبعد أن دخل سعد بن أبي وقاص بهرسير طلب السفن ليعبر بالناس الى المدائن, فلم يقدر على شيء, ووجدهم قد ضموا السفن, فأقام ببهرسير أياما, حتى جاءه رجال من كفار الفرس, فدلوه على مخاضة يعبر من خلالها النهر ولكنه أبى وتردد في ذلك. ورأى سعد بن أبي وقاص رؤيا أن خيول المسلمين اقتحمتها, فعبرت, فعزم على العبور لتأويل رؤياه, وجمع الناس وخطب فيهم فقال لهم بعد أن حمد الله وأثنى عليه: ان عدوكم قد اعتصم منكم في البحر, فلا تخلصون اليه, وهم يصلون إليكم اذا شاءوا, فيناوشونكم في سفنهم, وليس وراءكم شيء تخافون منه, وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد العدو بنيتكم قبل أن تحصركم الدنيا, ألا إني قد عزمت على قطع وعبور هذا البحر إليهم. فقالوا جميعا: نعبر معك فافعل ما شئت. فدعا الناس للعبور ثم قال: من يبدأ منكم ويحمي لنا الشاطئ لكي لا يمنعونا من العبور؟ فخف اليه وأسرع عاصم بن عمرو وهو بطل من أبطال المسلمين وجاء وراءه ستمائة رجل من أهل النجدات, فجعل عليهم عاصم أميرا, فسار بهم حتى وقف على شاطئ دجلة. وعندئذ قال سعد: من يجيء معي لنمنع الشاطئ ونحميه من عدوكم ونحميكم حتى تعبروا؟ فخف اليه أسرع ستون بطلا, فتقدمهم سعد الى حافة النهر وهو يقول باسما لمن تردد حوله: أتخافون؟! ثم تلا قول الله Y:{ وما كان لنفس أن تموت الا بإذن الله كتابا مؤجلا} 0 ثم رفع سعد بن أبي وقاص فرسه فاقتحم النهر, واقتحم إخوانه معه. فلما رآهم الفرس وما صنعوا, جهزوا للخيل التي تقدمت خيلا مثلها, واقتحموا عليهم دجلة, ثم اقتربوا من عاصم بعدما اقترب من شاطئهم؛ فقال عاصم لأصحابه: الرماح الرماح! أشرعوها, واضربوهم من عيونهم, فطعن المسلمون الفرس في أعينهم, فمن لم يقتل منهم أصيب في عينيه, وتزلزلت بهم خيولهم, حتى فرّت عن الشاطئ. وصعد الستون على الشاطئ الآخر شاطئ الفرس وتلاحق خلفهم بقية الستمائة من كتيبة عاصم بن عمرو. ولما رأى سعد بن أبي وقاص أن عاصما على الشاطئ قد حماها ومنع الناس من أذى الفرس أذن للناس في اقتحام النهر وقال: قولوا: نستعين بالله ونتوكل عليه؛ حسبنا الله ونعم الوكيل, ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. وتلاحق معظم الجند, وركبوا الموج, وقد هاج النهر وماج والناس يتحدثون وهم عائمون على الخيل لا يكترثون ولا يهتمون بشيء, كما يتحدثون ويتسامرون في سيرهم على الأرض وكان سعد بن أبي وقاص وراءهم يسايره في الماء سلمان الفارسي, فعامت بهم الخيل, وسعد يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل! والله لينصرن وليه, وليظهرن دينه, وليهزمن عدوه. هذه الكلمات التي قالها الرسول في بشراه
¥