الأشياء البسيطة, كيف يعي لذلك ومعه البراق, وهو معجزة وعجب عجاب, وكان معه جبريل وهو رسول رب العالمين اليه, والوقت غير مناسب لأن ينشغل الرسول r أو ينشغل ضميره بالمباني وغيرها من هذه الأشياء. فقد رأى من آيات ربه ما رأى, انشغل بكل هذه الآيات, وعاد من السماء السابعة الى الأولى, وهبط من الأولى الى أرض بيت المقدس كل هذه المعجزات الكبرى لم تجعله يلتفت الى شيء من هذا القبيل حوله. والأهم من ذلك أنه uقد عجز ولم يجد ما يجيب به على سؤالهم. ولما رأى هؤلاء الكفار أنه u سكت ولم يجب, استعدوا للسخرية والتكذيب, وكان أبو بكر الصديق قد ذهب الى بيت المقدس كثيرا وله دراية به .. وكان الى جانب ذلك لا يشك في صدق رسول الله r, وأنه u قد زار حقا في تلك الليلة بيت المقدس, ولا جدال في ذلك. فلما رأى أبو بكر توقف رسول الله rعن الاجابة, ورأى القوم يوشكون أن يرفعوا أصواتهم بالسخرية والاستهزاء والتكذيب, قال أبو بكر للرسول r: صفه لي يا رسول الله, فاني قد جئته وزرته عدة مرّات. وقد رغب أبو بكر من هذا أن يقطع ألسنتهم ويمنعهم من السخرية, وأن يأتي بالدليل على صدق إسرائه. وعند ذلك حدثت المعجزة, وأراد الله أن ينصر نبيه r, فرفع بيت المقدس وجعله في بصر رسول الله r وبصيرته, فظهر له بيت المقدس واضحا وجليّا, فقال u: باب منه مكانه كذا, فصاح أبو بكر فرحا وقال: صدقت يا رسول الله أشهد أنك أنت رسول الله .. واستمر رسول الله r يقول:" وباب منه في موضع كذا .. " فيعود أبو بكر ويقول في حماسة وفرح: صدقت يا رسول الله, أشهد أنك رسول الله, وظل أبو بكر يقول ذلك في كل فقرة, ولذلك فقد سمي أبو بكر من هذا اليوم باسم الصدّيق t. سكت أبو جهل والكفار وعلموا أن رسول الله لم ولن يهزم أمامهم, ولكنهم عادوا الى التضليل والكذب وقال أحدهم: يا قوم؛ وألم يخبركم الوليد بن المغيرة, فان ما سمعناه اليوم من محمد ان هو الا السحر بعينه. وأسرع بعضهم يغيّر مجرى الحديث فقال: يا محمد؛ ان كنت ذهبت الليلة الى بيت المقدس حقا فان لنا عيرا ذهبت بتجارتنا الى بلاد الشام, فهل تستطيع أن تخبرنا أين مكانها الآن من الطريق؟ لقد وصفت لنا بيت المقدس, ولعلك تعرف مكان قافلتنا الآن فأين هي الآن من مكة؟ فأخبرهم رسول الله rأنه مرّ بهذه القافلة بوادي كذا وهو متوجه الى الشام, فخافوا من منظر البراق وجماله, لأن البراق كان سيره صوت مخيف, فأزعج القوم, وجعل جمالهم تنفر وتهرب هنا وهناك, فهرب منهم بعير فدلهم الرسول rعلى مكانه. فلما عادت القافلة, وحكى لها الكفار ما قاله الرسول rعنهم, صدقوه, وصدقوا ما قاله u. وقال رجل آخر للرسول r: ان لنا قافلة أخرى ذهبت الى الشام فدلنا على مكانها في الطريق. فقال u:" مررت بهذا الإبل وأنا قادم في مكان كذا وكذا, وفيها جمل عليه غرارتان: غرارة سوداء وغرارة بيضاء, فلما حاذيتها نفرت العير, أي أن الإبل خافت وذعرت من حس البراق, وصرع بعير وانكسر". فلما عادوا الى مكة أخبروا بصدق ما قاله الرسول r . ورغم ذلك قالوا: هذا هو السحر. وعاد أحدهم يقول لرسول الله r: وإن لنا إبلا, فأخبرنا بمكانها ومتى تجيء؟ فقال عليه u:" تأتيكم هذه العير يوم كذا يقدمها جمل أورق عليه غطاء من الصوف الأحمر وغرارتان." فلما كان وصول القافلة خرجت قريش لتنظر هل يصدق موعد رسول الله r أو لا يصدق, وكاد النهار ينتهي وأوشكت الشمس على المغيب, فقال أحد الكفار ساخرا: ها هو ذا اليوم ينتهي, ولم تقدم القافلة, ولم تجيء, اليوم بطل سحر محمد .. وما كاد الرجل يتم كلمته حتى صاح أحد المؤمنين المسلمين: الله أكبر هذه طلائع القافلة قد ظهرت. وقدمت القافلة, وفي مقدمتها جمل أورق عليه غطاء من الصوف الأحمر وغرارتان كما وصفه رسول الله r ولكن الكفار وقريشا مع كل هذه المعجزات ظلوا على ضلالهم وسخريتهم وتكذيبهم. وبقيت في أذهاننا معجزات رسول الله r حية لا ننساها أبدا.
¥