اشتد غضبا على من عصاه _ عند ذلك استأجر نوح أجراء وعمّال يعملون معه في صنع السفينة وأولاده سام وحام ويافث ينحتون معه السفينة فجعلها ستمائة وستين ذراعا للطول وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا وطولها في السماء ثلاثة وثلاثين ذراعا وطلاها بالقار داخلها وخارجها بعد أن فجر الله له عين القار بجوار السفينة تغلي غليانا وشدّها بالمسامير الحديد وطلاها كلها بالقار, وجاء في قوله عن المسامير الحديد: {وحملناه على ذات ألواح ودسر}. و قد كان عيسى بن مريم يحيي الموتى بأمر الله, فقال له الحواريون: لو بعثت لنا رجلا من قبره يكون قد رأى سفينة نوح فيحدثنا عنها! فانطلق عيسى u والحواريون خلفه حتى وصل إلى كثيب من تراب, فأخذ حفنة من التراب وقال: أتدرون ما هذا التراب؟ قالوا: الله ورسوله أعلم!! قال u: هذا قبر حام بن نوح, فضرب التراب بعصاه وقال: قم بإذن الله, فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه, وقد شاب شعره وأصبح شيخا عجوزا, فقال له عيسى u: أهكذا مت وهلكت؟ فقال حام بن نوح: لا, ولكني مت وأنا شاب؛ ولكني ظننت أنه الساعة (يوم القيامة) فشبت من الخوف. فقال عيسى u: حدّثنا عن سفينة نوح. قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات: فطبقة فيها الدواب والوحوش, وطبقة فيها الأنس, وطبقة فيها الطير. فلما كثر ارواث الدواب أوحى الله إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل, فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة, فأقبلا على روث الحيوانات0
فار التنور: انتهى نوح من السفينة فبناها, وأعدها كما يجب, وما بقي إلا إيجاد البحر الذي ستبحر عليه وتتطهر الأرض بمائه من دنس الكفار. حدّد الله مكان وزمان البداية بأمر عظيم وكريم, فجعل خروج الماء من التنور وفورانه هو بداية المعجزة الكبرى التي هزت الدنيا بأسرها, وقد كانت كلمة السر أو علامة السر هي فوران التنور, وقد قالوا عن فوران التنور عدة أقوال أولها: أنه طلوع الفجر وبزوغ الصباح. و أشهر ما قيل في التنور أنه مكان صناعة الخبز, وكان فرنا أو تنورا من حجارة, وكان لآدم ثم انتقل إلى نوح فقيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك. فنبع الماء من التنور فعلمت به امرأته فأخبرته وقالت له: لقد فار الماء من التنور. و قيل ان التنور فار في الكوفة, وقيل بالشام في موضع اسمه عين الورق, وقيل انه بالهند0 فلما رأى نوح فوران التنور علم أنها البداية, بداية هلاك قومه. كان فوران الماء علما وإخبارا لنوح u ببداية معجزته كنبي ودليلا على هلاك قومه_ كان الأمر الرباني من جزأين:
الجزء الأول: إشارة البدء المتفق عليها والموصى بها لنوح عليه السلام وهي فوران التنور.
أما الجزء الثاني فكان كما ذكرت الآية الكريمة: {قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن ءامن, وما ءامن معه إلا قليل} 0وقد قال المفسرون: إن الله أرسل المطر أربعين يوما وليلة فأقبلت الوحوش والطير والدواب إلي نوح حين أصابها المطر, وسخرت له, فحمل كل منها كما أمره الله U:{ من كل زوجين اثنين} وبدأ في إدخال الحيوانات والطيور وكان آخر ما حمل الحمار فلما دخل الحمار بصدره تعلق إبليس بذنبه أو ذيله فلم تستقل رجلاه فجعل نوح يقول ادخل فينهض فلا يستطيع _ حتى قيل إن نوح قال: ويحك ادخل وان كان الشيطان معك _ كلمة زلّ بها لسان نوح فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه. فقال له نوح: ما أدخلك يا عدو الله _ فقال الشيطان: ألم تقل أدخل ولو كان الشيطان معك؟ ّ! قال نوح: أخرج يا عدو الله .. فقال: ما أخرج _ وزعم المؤرخون أنه أي الشيطان كان في الفلك0 و قيل إن الحيّة والعقرب أتيا نوح فقالا: احملنا فقال: إنكما سبب الضرر والبلايا فلا أحملكما0قالا: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك, فمن قرأ حين يخاف مضرتهما (الحية والعقرب) من قرأ: {سلام على نوح من العالمين * إن كذلك نجزي المحسنين * انه من عبادنا المؤمنين} لم يضره أو يصبه أذى أبدا. و قيل إن نوح u قال: يا رب كيف أصنع بالأسد والبقر, وكيف أصنع بالعناق والذئاب, وكيف أصنع بالحمام والقط؟ قال الله تعالى لنوح: من ألقى بينهم العداوة يا نوح؟ قال نوح عليه السلام: أنت يا رب العالمين. فقال U لنوح: فأنا الذي أؤلف بينهم حتى لا يتضاروا ولا يضرّ بعضهم بعضا. فحمل نوح عليه
¥