بالنعم فقال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا}. وذكّرهم بنعم الله فقال: {فاذكروا ءالاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.أي إنما جعلكم الله خلفاء من بعد قوم عاد لتعتبروا بما كان من أمرهم, وتعملوا بخلاف ما عملوا, وأباح لكم الأرض تبنون من سهولها قصورا, وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين أي متميّزين وحاذقين في صنعها وإتقانها و إحكامها, فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح, والعبادة له وحده لا شريك له, وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته, فان عاقبة ذلك وخيمة0 ولهذا وعظهم صالح بقوله: {أتتركون في ما ههنا آمنين* في جنّات وعيون * و زروع ونخل طلعها هضيم}. أي متراكم كثير حسن بهيّ ناضج. ولما عارضوه وقالوا: انك كنت فينا عاقلا وحكيما الى آخر هذه الحجج الضعيفة التي يردون هم عليها دون أن يشعرون, لما قالوا ذلك تلطف صالح في رده عليهم وألان لهم الجانب, فقال لهم: {يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدوني غير تخسير}. قال لهم: فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم إليه؟ ماذا يكون عذركم عند الله؟ وماذا يخلصكم بين يديه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم الى طاعته؟ وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب عليّ لو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني منه ولا ينصرني, فأنا لا أزال أدعوكم الى الله وحده لا شريك له, حتى يحكم الله بيني وبينكم. المصدر السابق. ولكنهم بعد ذلك اتهموا صالح بأن له سحرا, أو أنه مسحور لا يدري ما يقول في دعائه لهم إلى أفراد العبادة لله وحده, وترك ما سواه من الأصنام والأنداد. ظلوا يقولون له هكذا ويعارضونه يمينا ويسارا وصالح عليه السلام يدعو ليل نهار, ويأتي بالحجج من هنا والأخرى من هناك, لعلهم يرجعون عما هم فيه. طلب منهم أن يستغفروا الله عسى الله أن يغفر لهم ذنوبهم, وطلب منهم أن يتوبوا إليه, ويقلعوا عما هم فيه ويقبلوا على عبادته, فان فعلوا ذلك, فانه I يقبل منهم ويتجاوز عنهم وقال لهم: {إن ربّي قريب مجيب}. ولكن كل هذا دون جدوى, وأحس صالح عليه السلام أن الأمر قد صعب تماما, وأن الأمور تسير الى الاتجاه الأسوأ فكلما دعا هؤلاء تمرّدوا وتملّصوا وجادلوا في أمر من أمور جاهليّتهم في جدال لا ينقطع ولا تنفع معه الحجة والوضوح لأن الطرف الآخر الذي هو شريك في هذا الحوار طمس الله على عقولهم, ولم يعودوا يتفكّرون في أمر أو يتدبّرون شيئا أبدا كان لا بد لهم من معجزة تعجزهم وتخرس ألسنتهم, تكون خارقة فلا تتحرّك ألسنتهم بجدل أبدا, وجاء الحل على لسانهم فقالوا لصالح u : { فأت بآية إن كنت من الصادقين}. طلبوا منه أن يأتيهم بخارق يدلّ على صدق ما جاءهم به. وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوما في ناديهم, فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم الى الله, وذكّرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم, فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة, وأشاروا الى صخرة هناك_ إن أنت أخرجت لنا منها ناقة_ من صفاتها كذا وكذا وذكروا أوصافا فأسموها ونعتوها وتفننوا فيها, وأن تكون عشراء طويلة0 فقال لهم صالح u وهو يعرفهم ويعرف طباعهم: أرأيتم إن أجبتكم الى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم, أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقون ما أرسلت به؟ كان شرط صالح عليه السلام واضحا لا جدال فيه, فهم يطلبون ناقة تخرج من صخرة أمامهم, عشراء طويلة, بكل الأوصاف التي طلبوها, و هذا الأمر في حدود تفكير البشر مستحيل, وقد طلبوه خصيصا لأنه مستحيل وظنوا أنهم بطلبهم المستحيل هذا يعجزون صالح. هكذا وصلت حدود البشر ولا حدود لهم تتجاوز هذا الأمر. أمّا صالح u فقد استوثق منهم العهد ووضع الشرط وهو على يقين دائم بأن الله I لن يخذله أبدا, ولم يتطرّق الى تفكيره أن ما يطلبونه مستحيل بل هو يسير على الله U فليطلب من ربه المعجزة اليسيرة على الله Y, المستحيلة في ظنهم.0 وانتظر القوم, وجهزوا سخريتهم عندما يعجز صالح عن الإتيان بناقة تخرج من هذه الصخرة التي أشاروا اليها وهذا مستحيل في ظنّهم وعرفهم ويقينهم. اتجه صالح u الى ربه, وقام الى مصلاه فصلى لله I ما قدّر له أن يصلي, واتجه في خشوع وإيمان الى ربه بالدعاء, فطلب من ربه أن يجيبهم الى ما طلبوا, فكان منه الدعاء ومن الله
¥