الاستجابة. استجاب الله U فأمر I تلك الصخرة التي أشاروا اليها أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء على الوجه والشروط التي وضعوها, أو على الصفة التي نعتوا. كانت الناقة آية ومعجزة من معجزات الله, لأن الآية هي المعجزة, ويقال أن الناقة كانت معجزة لأن صخرة في الجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة وخرج وراءها وليدها الصغير, وولدت من غير الطريق المعروف للولادة, ويقال أنها كانت معجزة لأنها تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم, وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفي الناس جميعا في اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبغي الناس منه شبعا. كانت هذه الناقة معجزة, ووصفها الله Y بقوله: {ناقة الله} 0 لقد أضافها الله لنفسه سبحانه عز وجل بمعنى أنها ليست ناقة عادية و إنما هي معجزة من الله0
نعود الى صالح u بعد أن بيّنا كيف كانت الناقة آية ومعجزة. انفطرت الصخرة عن الناقة, وظهرت لهم مع وليدها. فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا عظيما, ومنظرا هائلا, وقدرة باهرة, ودليلا قاطعا, وبرهانا ساطعا فآمن كثير منهم, واستمرّ أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم. قال لهم صالح u: { ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب}. وأصدر الله أمره الى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو قتلها, أمرهم أن يتركوها تأكل من أرض الله, وألا يمسوها بسوء, وحذرهم أنهم إذا مدّوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب. وقد أدهشت الناقة قوم ثمود في البداية, فقد كانت ناقة مباركة .. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال, وكانت إذا نامت في موضع هجرته كل الحيوانات الأخرى, كان واضحا أنها ليست مجرّد ناقة عاديّة, و إنما هي آية من آيات الله. وعاشت الناقة بينهم, فآمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على الكفر والعناد. وكان رئيس الذين آمنوا رجل يقال له: جندع بن عمرو بن محلاة وكان من رؤسائهم وأشرافهم0 وهمّ بقيّة الأشراف بالدخول في دين صالح إلا أن رجلا يقال له ذؤاب بن عمر ورجل آخر اسمه الحباب كان صاحب أصنامهم نهياهم عن ذلك. ولما حذرهم صالح u من أن هذه ناقة الله فلا يمسوها بسوء أبدا, تحسّروا على أن تبقى بين أظهرهم, ترعى حيث شاءت من أرضهم وترد الماء يوما بعد يوم, وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك, فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم المخصص لهم ليشربوها في اليوم التالي يوم الناقة, ويقال أنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم, ولهذا قال: {لها شرب ولكم شرب يوم معلوم}. وكانت الناقة فتنة لهم واختبارا عظيما لإيمانهم ليرى أيؤمنون بها أم يكفرون؟ والله أعلم بما يفعلون. وقد قال الله I لصالح: {فارتقبهم} أي انتظر ما يكون من أمرهم
{و اصطبر} على أذاهم فسيأتيك الخبر على جليّة. وقال له U:{ ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر}. ورغم أنه كان واضحا أنها ليست مجرد ناقة عادية, و إنما هي آية ومعجزة من معجزات الله, رغم ذلك تحوّلت الكراهية عن سيدنا صالح الى الناقة المباركة!! تركزت عليها الكراهية, وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضد الناقة .. كره الكافرون هذه الناقة العظيمة, وهذه الآية المعجزة, كرهوا ناقة الله وآية الله العظيمة, ودبّروا في أنفسهم أمرا. وقد كان طبيعيّا أن يجيء التدبير السيئ من رؤساء القوم.
وقد ذكر المؤرخون وعلماء التفسير (الطبري في تاريخه): أن امرأتين من ثمود اسم إحداها "صدوقة" ابنة المحيا بن زهير المختار, وكانت ذات حسب ومال, وكانت تحت رجل مسلم آمن بصالح ففارقته وتركته, فدعت ابن عم لها يقال له "مصرع" بن مهرج بن المحيا, وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة, واسم الأخرى "عنيزة" بنت غنيم بن مجاز, وتكنّى أم غنمة أو أم عثمان وكانت عجوزا كافرة لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف, إن هو عقر الناقة فله أي بناتها شاء, أي واحدة منهن يرغبها. فابتدر وانتدب هذان الشابان لعقرها وسعيا في قومهم بذلك, فاستجاب لهما سبعة آخرون فصاروا تسعة. وهم المذكورون في قوله Y:
¥