{وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون}. وسعوا في بقيّة القبيلة قبيلة ثمود وحسّنوا لهم قتل الناقة وكان لهم مجلس كبير. فلما سقط الليل على مدينة ثمود. وانتصبت الجبال شامخة تحتضن البيوت المنحوتة فيها, وبدا واضحا للكافرين أن أحدا لا يمكن أن ينالهم بسوء. وفي داخل أحد القصور أضيئت المشاعل, وجلس الكفار وقد دارت عليهم كؤوس الشراب وهم شبه دائرة. كل رؤساء القوم حضروا هذه الجلسة الخطيرة. انعقدت الجلسة ودار بينهم حوار طويل. قال أحد الكافرين: {أبشرا منّا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر} 0وقال آخر: {أءلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر} 0 وعادت الكؤوس تدور وانتقل الحوار من صالح الى ناقة الله. 0 قال أحد الكافرين: إذا جاء الصيف جاءت الناقة الى ظل الوادي البارد فتهرب منه المواشي الى الحر. وقال كافر آخر: و إذا جاء الشتاء بحثت الناقة عن أدفأ مكان واستراحت فيه فتهرب مواشينا الى البرد وتتعرض للمرض. وأصبح الجميع في سكر كامل وكؤوس الشراب تدور وهي تهتز في أيدي الشاربين, وأمر أحد الجالسين أن تكف المغنية عن الغناء حتى يستطيع أن يفكّر .. وصمت الجميع.
ثم قطع هذا الرجل السكّير صمت الحاضرين بقوله: ليس هناك غير حل واحد. قالوا وما هو؟ قال: نقتل الناقة, ثم بعدها نقتل صالحا. وبدأ الحاضرون في الحديث عن صالح بقول السوء فقال أحدهم: كم نتشاءم منه ونتطيّر, ومن ناقته ومن كل الذين أمنوا معه. انه حل واحد نقتل الناقة, ثم نثني عليه, طرح اسم القاتل, انه رجل جبار من جبابرة المدينة, رجل يعبث في الأرض فسادا ولا يكف عن شرب الخمر والويل لمن يعترضه وهو مخمور, وله أعوان يساعدونه على القتل. ويستطيعون أن يكونوا أداة للجريمة ويختاروا مكان التنفيذ بأنفسهم0
و جاءت ليلة الغدر, كانت الناقة المباركة تنام وهي تضم لصدرها طفلها الصغير الذي استدفأ بها, واستعدّ المجرمون التسعة لجريمتهم وعلى رأسهم قدار بن سالف. لعنه الله, وخرجوا من جوف الظلام وفي نفوسهم الخيانة, وكان زعيمهم قدار بن سالف قد شرب كثيرا من الخمر, حتى لم يعد يرى ما أمامه وهجم الرجال التسعة على الناقة فنهضت واقفة ونهض طفلها فزعا, وامتدت الأيدي القاتلة اليها للقضاء عليها, وكان أوّل من سطا على الناقة هو قدار بن سالف, فعرقبها أي ضربها في عرقوبها فسقطت على الأرض, ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها فلما رأى ذلك طفلها, شرد عنهم فعلا الى الجبل هناك ورغا ثلاث مرات. ولما علم صالح u بما حدث خرج غاضبا على قومه, وقال لهم: ألم أحذركم أن تمسوا الناقة. قالوا: قتلناها فائتنا بالعذاب واستعجله لنا ألم تقل لنا أنك من المرسلين؟ فقال لهم صالح u:{ تمتعوا في دياركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} 0 أي غير يومهم ذلك. فلم يصدقوه أيضا في هذا الوعد الأكيد, بل انهم لما أمسوا هموا بقتله وأرادوا, فيما يزعمون أن يلحقوه بالناقة, فأقسموا أن يهجموا عليه في داره فيقتلوه ولكن الله حمى نبيّه صالحا u منه ونجاه. وقال الله I:{ قالوا تقاسموا بالله لنبيّتنّه وأهله ثم لنقولنّ لوليه ما شهدنا مهلك أهله و إنا لصادقون} 0 وأصبحت ثمود اليوم الأوّل من أيّام النظرة الثلاثة _ التي أنظرهم بها صالح_ ووجوههم مصفرّة, فلما أمسوا قالوا: ألا قد مضى يوم من الأجل ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيّام التأجيل, ووجوههم محمرّة وفي الثالث من أيّام المتاع اسودّت وجوههم. فلما أمسوا قالوا: ألا قد مضى الأجل. وليس هناك شيء من العذاب. وفي فجر اليوم الرابع انشقت السماء عن صيحة جبارة, انقضّت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي, وارتجفت الأرض رجفة جبّارة فهلك فوقها كل شيء. هلكوا جميعا في صرخة واحدة, أما الذين آمنوا بسيّدنا صالح فكانوا قد غادروا المكان مع النبي صالح u ونجّاهم الله.