تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القصة الأولى: اصطحب العبد الصالح النبي موسى u إلى شاطئ البحر وكان يتبعهما يوشع, وعند الشاطئ لاحت لهما سفينة سائرة في عرض البحر, فأشار لها الشيخ بيده فاقتربت من الساحل وأطلّ رجالها منها يستفسرون الشيخ وموسى عما يريدان, فعرفوا الشيخ لأنهم يرونه دائما جالسا يتعبّد على ساحل البحر؛ وقال لهم الشيخ: نريد منكم أن تحملونا معكم الى حيث تقصدون وليس معنا ما ننقدكم إياه أو نقدمه لكم أجرا على ذلك. فقال رجال السفينة: مرحبا بالرجل الصالح ... وركب الشيخ وموسى و يوشع السفينة, ورحّب بهم أهلها أجمل ترحيب وأكرمه, وتسابقوا الى خدمتهم. ومضت السفينة في طريقها سائرة بهم حتى قاربت أن ترسو على ميناء إحدى المدن؛ حينئذ رأى موسى من الشيخ أمرا عجيبا! رآه قد أخذ فأسا من السفينة, واقترب من جدارها, وما زال يعالج بها لوحا من ألواحها حتى كسره, وخرقها. فلم يملك موسى نفسه, وغضب لفعل الشيخ بالسفينة, لأنه رأى في ذلك إساءة لأصحاب السفينة, وتعريضا لهم جميعا لخطر الغرق؛ فقال له والغضب بدا على وجهه: ماذا فعلت؟ قوم حملونا بغير أجر وأكرمونا غاية الإكرام, عمدت الى سفينتهم فخرقتها, لتغرقها وتغرق أهلها؟! {لقد جئت شيئا أمرا}. قال الشيخ: {ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا}. تذكّر موسى على الفور وعده للشيخ ألا يسأله عما يرى منه, وعجب لما فعله الشيخ, وعما يربط هذا الفعل القبيح بالعلم الذي يعلمه, ولكنه لم يسمعه الا أنه قال للشيخ أسفا: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}. وما لبثت السفينة أن رست بجانب المدينة التي تقصدها, فنزل منها الشيخ وموسى, وأخذا يسيران في المدينة. وقد بدا أن الشيخ يستعدّ لموقف آخر أكثر عجبا من الموقف الأول وموسى u لا يعلم شيئا عمّا يجري ويخشى المناقشة حتى لا يتهم بعدم الصبر أو ينقض شرط الرجل الصالح, الذي قال له: {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فصمت موسى u.

القصة الثانية:مضى موسى والعبد الصالح يتجوّل في المدينة مع موسى u ويدخل هنا وهناك, ويتردد بين شوارعها وطرقاتها ومسالكها. ولكن موسى u عجب أشد العجب وجزع أشد الجزع, عندما أتى العبد الصالح أمرا عجبا وفعلا نكرا .. ترى ماذا فعل الشيخ العبد الصالح؟ لقد اقترب من غلام كان يلعب في الطريق, فجذبه بيده, ثم أمسك بعنقه بكلتا يديه, وما زال يضغط عليه حتى قتله. أصبح الأمر لا يحتمل بالنسبة لموسى u فهو يرى جريمة قتل مروّعة أمامه, فنظر الى ما فعل العبد الصالح متعجبا ثم ذاهلا, ثم خرج من عجبه, وأفاق من ذهوله, ساخطا مستنكرا غضبا, وصرخ في الشيخ قائلا: يا رجل ما فعل هذا الغلام حتى تقتله؟! {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا} فقال الشيخ في هدوء: {ألم أقل انك لن تستطيع معي صبرا}.هدأ موسى u, وسكّن من غضبه, وتحيّر في أمر هذا الرجل الصالح الذي اتبعه لهدف واحد وهو أن يستزيد من علمه, فلم يجد عنده حتى الآن شيئا من ذلك, بل انه يأتي أفعالا منكرة لا يرضاها علم, ولا تقرّها شريعة, ولكنه لم يسعه الا أن قال للشيخ: {ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا} يحق لك به ترك مرافقتي, والانصراف عن صحبتي.

القصة الثالثة: خرج الرجل الصالح وموسى من تلك المدينة, وضربا في الأرض حتى وصلا الى مدينة أخرى, وكانا قد جاعا وتعبا, فسألا أهل المدينة ضيافة وطعاما, فلم يجبهما أحد الى ذلك, وكان كل من سألاه ضيافة يقول لهما: إننا لا نضيف الغرباء الا بأجر. وكل من يسألاه طعاما يقول لهما: إننا لا نعطي طعاما بغير ثمن. ولما نال من موسى التعب مبلغه, جلس هو وفتاه يستريحان في ظل جدار منزل. ودعا موسى الشيخ الى الجلوس معهما ليستريح من عناء السير, ولكنّ موسى رأى شيا عجيبا يثير الدهشة. ترى ما هذا الشيء؟ لقد رأى الشيخ يتقدم من الجدار الذي بالقرب منهما_ وكان جدارا قديما يوشك أن ينقض, فيفكك أحجاره المتخلخلة, ثم يجمع من الطريق ترابا, ويعجنه بالماء, ويصنع منه طينا يعيد به تثبيت الأحجار في أماكنها, حتى أعاد إقامة الجدار متينا ثابتا من غير أن يطلب منه ذلك أحد. فدار بخلد موسى أن الشيخ يفعل ذلك لينال عليه أجرا يمكنه أن يشتري به طعاما من أهل المدينة التي لا تضيف غريبا الا بأمر, ولا تطعم جائعا الا بثمن. وما ان انتهى الشيخ من عمله, حتى طلب من موسى أن يتبعه ثم انصرف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير