تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بجانبي, ففتحت عيني, فوجدته ينزلق متدحرجا بين الصخور, فأسرعت خلفه لأعيده الى مكانه؛ ولكني رأيت عجبا, ورأيت ما أدهشني. قال موسى فرحا مستبشرا: ماذا رأيت؟ عجّل بالقول!! قال الفتى في أسف وحسرة: رأيت الحوت قد غمره الماء, وخيّل إليّ أنه يتحرّك, ويتقلّب, كأن الحياة قد ردّت اليه, يضطرب في سرب بين الصخور, خرج منه الى البحر, دون أن أدركه, أو أستطيع اللحاق به. فلم يدهش موسى, ولم يتعجب, فقد لمس في آيات الله له كل مقدرة, ورأى في بيّناته له كل عجب. ولكنه سرّ وفرح, فقد أدرك أن بعث الحوت الميّت, وردّه حيا, هو آية الله التي وعده بها ليرشده الى مجمع البحرين, وعرف أن الطريق الذي تسرب فيه الحوت هو الطريق الذي يؤدي الى عبد الله الصالح الذي ينشد لقاءه, فنهض نشيطا فرحا, وهو يقول لفتاه: {ذلك ما كنا نبغ} فهيا بنا نعود الى الصخرة. هذه الحالة في حد ذاتها بداية معجزات موسى u التي وهبها الله له في هذه القصة الجميلة. وسنرى المعجزات العجاب حين يلتقي بالعبد الصالح. فما أشرق الصباح حتى ارتدّ موسى u وصاحبه فتاه يوشع يقصّان ويبحثان عن آثارهما وطريقهما الذي جاءا منه, حتى لا يضلا عن الصخرة التي نزلا بجانبها من قبل, وما زالا سائرين يتحسسان طريقهما الأول, حتى وصلا اليها؛ فقال موسى u لفتاه يوشع: يا يوشع أرني المكان الذي تسرّب منه الحوت ونفذ الى البحر. فأشار يوشع لموسى الى سرب بين الصخور, وقال له: هذا هو الطريق الذي سلكه الحوت. فنظر موسى u الى حيث أشار يوشع, فوجده سربا بين الصخور يفضي الى البحر من ناحيته الأخرى, فنفذ منه ومن ورائه فتاه, فخرجا الى البحر من الناحية الأخرى للصخرة, ونظر موسى حوله, فرأى ما وعده الله حقا!! رأى ما حجبته الصخرة عن رؤيته بعظم رمها! رأى ماء البحر العذب يلتقي بماء البحر المالح. ورأى بجانب الصخرة بساطا أخضر نضيرا من عشب أخضر, وقد جلس عليه شيخ جميل وضيء مهيب الطلعة, أبيض اللحية, وقد تربّع في جلسته. عندئذ عرف موسى u أنه أمام العبد الصالح الذي وعده ربه بلقائه, وهو الرجل الذي علمه الله U أشياء من علم الغيب الذي استأثر به.0 وكانت هذه الثانية خطوة على طريق المعجزات في هذه القصة المباركة, ترى بعد هذا اللقاء ماذا فعل موسى u مع العبد الصالح؟ لنرى ذلك.0 وتقدّم موسى من العبد الصالح وقال له: السلام عليك يا حبيب الله. فنظر الشيخ اليه, وقد أشرق وجهه, وردّ عليه السلام قائلا: وعليك السلام يا نبيّ الله. ثم دعاه الى الجلوس بجانبه, فجلس موسى u وهو يسأله دهشا مستعجبا: أو تعرفني؟! قال الشيخ: نعم, أو لست موسى نبي اسرائيل؟ قال موسى وقد ازداد عجبه: من أعلمك عني؟! ومن عرّفك بي؟! أجاب الشيخ أعلمني عنك الذي أعلمك عني, وعرّفني بك الذي عرّفك بمكاني. فامتلأ قلب موسى هيبة من الشيخ, و إيمانا به, وعلم أنه حقا في حضرة رجل صالح قد اصطفاه ربه, واتخذه وليّا وآتاه رحمة من عنده وعلما من لدنه. فقال يسأله في تلطف وتودد: {هل أتبعك على أن تعلمنِ مما علّمت رشداْ}. فابتسم الشيخ لموسى u وقال له: {انك لن تستطيع معي صبرا}. قال موسى: سأصبر على كل ما تعلمني إياه, وترشدني اليه. فهز الشيخ رأسه باسما, وقال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا}. يا موسى ان علمي الذي أعلمه غير علمك الذي تعلمه, لن تستطيع أن تصبر على ما يصدر من علمي, ولا تقدر أن تطيق ما تراه مني. قال موسى:

{ستجدني ان شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقد صح عزمي على أن أكون تابعك لتعلمني مما علمك الله وترشدني الى ما أرشدك اليه. حينئذ حط عصفور على حجر في الماء, فنقر نقرة في الماء ثم طار, فقال الشيخ: أرأيت يا موسى ما أخذ العصفور في منقاره من الماء؟! والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله الا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر ثم قال: {فان اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} أفسر لك ما خفي عليك تفسيره. قال موسى على الفور: لك عليّ ذلك. وبدأت قصّة المعجزة, بل المعجزات في هذه القصة في ثلاثة مشاهد عجيبة, سيفسر أسبابها العبد الصالح في النهاية فتكون معجزة حضرها موسى u وتعلّم منها أنها معجزات علم الغيب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير