تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأحجار التي تعبدونها فهل تعقلون كل هذا؟ ان كنتم تعقلوه فاعبدوا الله وحده لا شريك له واتركوا عبادة الأصنام. أما الآمنون المطمئنون فهم الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له, I, ان هؤلاء المؤمنين هم الآمنون المهتدون في الدنيا.

الحوار الثاني مع الأب: حرص ابراهيم كل الحرص على هداية أبيه وضمّه الى دعوة التوحيد وترك الشرك بالله عز وجل, فكان u صريحا معه, يصارحه فيما هو عليه من الكفر, ويقول له ان هذا الكفر ان لم يقلع عنه ويتركه سيذهب الى النار, وسيعذب عذابا شديدا. لذلك فقد كان u لطيفا ليّنا مع أبيه فهو يكرر دعوته له بغاية التلطف واللين معه, مستعملا في حديثه كلمة {يا أبت} يشعره بأنه ابنه البار الحريص على ما ينفع أباه. وقد جاء حديثه في القرآن الكريم مع أبيه لطيفا ليّنا فقال له: {واذكر في الكتاب ابراهيم, انه كان صدّيقا نبيّا* إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} 0 لقد سلك u في دعوته لأبيه مسلكا عظيما, ومنهجا حسنا, واحتج عليه أبدع احتجاج كل ذلك بحسن أدب وخلق جميل, حتى لا تأخذه عزة نفسه فيرتكب ذنبا ويستمر في شركه وكفره. لقد طلب ابراهيم من أبيه معرفة السبب في عبادته لما لا ينفع ولا يضر ولا يستحق العبادة أصلا, كيف يترك عبادة الله الخالق الرازق النافع الضار الذي يحيي ويميت؟! وهل يستسيغ ذلك عاقل؟! و ابتعد u عن وصف أبيه بالجهل فقال: {يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك} 0 كان u في حديثه وسطا, فلم يصف أباه بالجهل المطلق, ولم يصف نفسه بالعلم الفائق, ولكنه قال عليه السلام لأبيه: ان معي طائفة من العلم وشيئا منه ليس معك, وذلك علم الدلالة على الحق والطريق الصحيح, وهي دلالات وحجج واضحة قوية حاسمة لا لبس ولا شكّ فيها, فلا تستكثر يا أبت عليّ النصح وأقبل قولي. فلك أن تتصوّر أنني أسير معك في طريق وعندي معرفة بالطريق ومسالكه, فمن مصلحتك أن تتبعني حتى تنجو من الضلال والتيه. و حذر u أباه من عبادة الشيطان, فقال له: {يا أبت لا تعبد الشيطان, ان الشيطان كان للرحمن عصيّا} 0 أي أن عبادتك لغير الله من أصنام وأوثان هي عبادة للشيطان, لأن الشيطان هو الذي يأمر بذلك وهو المؤول عنها, ولا ينبغي لك أن تطيع من يعصي الله الذي خلقك وأنعم عليك. ثم قال ابراهيم لأبيه في تلطف: يا أبت إني أخاف ان عصيت الله وواليت عدوّه أن يقطع رحمته عنك كما قطعها عن الشيطان, فتكون كالشيطان يصيبك عذاب شديد. و قد كان كل هذا التحذير والتخويف واضحا, ولكنه حمل أدبا وحسن خلق من ابراهيم حين قال: {أخاف أن يمسّك عذاب} 0فذكر u خوفه عليه حتى من مس العذاب. هكذا كان u لطيفا مع أبيه, حسن الخلق ينصحه ويدعوه لطاعة الله, فيبدأ كل نصيحة من نصائحه الأربع بقوله {يا أبت} على سبيل التوسل اليه والاستعطاف, ونيل رضاه, بذلك ضرب u مثلا عظيما في حسن الخلق والتأدب مع أقرب الناس اليه وهو أبوه آزر, ولكن هل كان رد الأب إيجابيا؟ للأسف, لم يكن كذلك, فقد أصرّ على عناده وكفره وقال لإبراهيم: أمعرض أنت يا ابراهيم ومنصرف عن آلهتي؟ لئن لم تمتنع عن الطعن و الإساءة لآلهتي وان لم تبتعد عن نصحك لي بترك عبادتها لأرجمنّك بالحجارة, هيا اهجرني وابعد عني ولا تعد تأتيني أبدا. سمع u ردّ أبيه, ولم يعارضه بسوء الرد ولم يستمر معه في الجدال, و إنما قال له: {سلام عليك سأستغفر لك ربي انه كان بي حفيّا} 0 لن أصيبك بمكروه يا أبي, ولكن سأدعو ربي أن يغفر لك انه كان بي حفيا أي مبالغا في اللطف بي0 و قال u: سأجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله, وأعبد ربي وحده لا شريك له عسى أن لا أكون بدعائه خائبا ضائع الجهد والسعي. ومضى ابراهيم لشأنه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير