الحوار قبل تحطيم الأصنام: عاد ابراهيم u ليحاور قومه, عسى أن يعودوا عن عنادهم وكفرهم, وسألهم قائلا: {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} 0 فأجابوا على الفور: {قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين} 0 أي أنهم يعبدونها تقليدا لأسلافهم وأجدادهم, وحجتهم أمام ابراهيم هي تقليد آبائهم الذين ضلوا الطريق. فقال لهم u وعلى الفور وفي جرأة شديدة: {لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} 0 عند ذلك اتهموا ابراهيم عليه السلام باللعب بالألفاظ وقالوا له: {قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين} 0 أي: أجئتنا بالجد في دعوتك ورسالتك ونسبتنا الى الكفر والضلال, أم أنت من اللاعبين المازحين في كلامهم, إننا لم نسمع من قبل كلاما كالذي تقوله يا ابراهيم. فقال ابراهيم عليه السلام: لست بلاعب, بل أدعوكم الى الله ربكم خالق السموات والأرض الذي خلقهن وأبدعهن انه هو الذي يجب أن يعبد وليس هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع وأنا على ذلكم من الشاهدين, قوي الحجة, فهذه حجتي التي لا ينكرها أحد, وأنتم تحتجون بحجة باطلة وهي أنكم وجدتم آباءكم يعبدونها.
بعد انتهاء هذا الجدال بين ابراهيم u وقومه أراد u أن يلفت أنظارهم, فعزم على تكسير أصنامهم وتحطيمها, لقد أقسم ابراهيم قائلا: {و تالله لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين} 0 و انتظر ابراهيم انصرافهم وخروجهم من عيدهم وتجمعهم, وحمل فأسا ومضى الى حيث توجد الأصنام وجعل يحطم ويكسر الأصنام, حتى جعلها جميعا قطعا متناثرة هنا وهناك وأبقى على صنمهم الأكبر, أكبر صنم فيهم وعلّق في عنقه الفأس التي كسر بها بقيّة الأصنام, لعلهم يرجعون الى إبراهيم u ودينه ويتعظون بهذه الموعظة.
المعجزة: عاد الكفار الى الأصنام و هالهم وروّعهم ما شاهدوه .. لقد كسرت أصنامهم جميعها وعلّق الفأس في عنق الصنم الأكبر فقالوا: من الظالم الذي فعل هذا بآلهتنا؟ انه جريء في ظلمه هذا. كان بعض الناس من الكفار قد سمعوا ابراهيم u ويقول: {لأكيدنّ أصنامكم} فقالوا: سمعنا فتى يذكر أصناما بمكروه منه اسمه ابراهيم. فقرروا أن يشكّلوا له محكمة يحاكمونه فيها أمام حشد كبير من الناس وهذا ما يريده ابراهيم u, حتى يبيّن لأكبر عدد من الناس وأمام أكبر عدد منهم أنهم جاهلون, وأغبياء عندما عبدوا هذه الأصنام التي لا تدفع عنهم الضرر ولا تدفع حتى عن نفسها الضرر, ولا تملك لنفسها ضرّا نصرا عندما تتعرّض لسوء وهذا أمر ماثل وواضح أمامكم. و احتشد الناس وجيء بإبراهيم أمام حشد هائل من الناس وطرح عليه السؤال: {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم} 0 أجابهم بما يريد من إثبات بطلان حجتهم, وغباء تفكيرهم قال: {بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم ان كانوا ينطقون}!! حتى يتبيّن لهم أن هذه الأصنام لا تنطق ولا تعقل فهي جماد, وبهذا قصد ابراهيم تقريعهم وتوبيخهم على عبادة هذه الأصنام, فراجعوا عقولهم, ورجع بعضهم الى بعض لضعف حجتهم وعجزهم عن الرد, وقال بعضهم لبعض: أنتم الظالمون بعبادة من لا ينطق بلفظة ولا يملك لنفسه شيئا, فكيف بنفع من يعبده ويدفع عنه الضرر وقد فشلوا في منع الفأس من تكسيرهم وتحطيمها0 و لكن الكفار عادوا الى جهلهم وعنادهم وقالوا لإبراهيم: لقد علمت أنهم لا ينطقون يا ابراهيم فكيف تقول لنا اسألوهم ان كانوا ينطقون, وأنت تعلم أنها لا تنطق؟ عند ذلك بدأ ابراهيم عليه السلام في استثمار هذا الموقف بعد أن وضعهم في أوّل طريق الحجة السليمة الصحيحة فقال لهم: إذا كانت لا تنطق ولا تنفع ولا تضر فلم تعبدونها من دون الله؟ , ثم تضجّر ابراهيم وتأفف منهم وقال لهم: {أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون} 0 و رغم كل ذلك فقد صدر الأمر, أمر العاجز عن الإقناع بالحجة صدر الأمر بقتل ابراهيم u, وأن يكون هذا القتل بطريقة بشعة, انه الحرق بالنار حتى الموت. قالوا: {حرّقوه وانصروا آلهتكم ان كنتم فاعلين} 0 و جاء قولهم أو حكمهم في موضع آخر من الآيات الكريمة: {قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم* فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين} 0لقد عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعت حجتهم وغلبهم ابراهيم u بالحق, ولم تبق لهم حجة ولا شبهة الا استعمال قوتهم وسلطانهم, لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم, فكادهم الله Y, وأملى كلمته ودينه وبرهانه. ذهب الكفار الى رجل من الأكراد يقال له "هيزن" وطلبوا
¥