تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و كبّه على وجهه جعل جبينه إلى الأرض متحاشيا النظر إلى وجهه, و بسمل واستشهد ثم همّ بذبحه, ولم يكد يسحب السكين على قفا ابنه ليذبحه, حتى سمع مناديا ينادي, ماذا يقول المنادي إذن؟ إنه يبشر بالمعجزة الكبرى. قال المنادي يا إبراهيم؛ قد صدقت الرؤيا, فافتد ابنك بذبح عظيم .. !! نظر الأب u إلى حيث سمع المنادي, فوجد بجانبه كبشا أبيض أعين أقرن, فعرف أن الله Y قد أرسل هذا الكبش فداء لابنه إسماعيل, و قيل أن هذا الكبش رعى في الجنة أربعين خريفا, وكان يرتفع في الجنة حتى تشقق, وكان له ثغاء, وقيل أنه الكبش الذي قرّبه هابيل ابن آدم فتقبّل منه0 أخلى الأب u ابنه u من وثاقه, وهو يقبّله باكيا من شدة الفرح ويقول: يا بنيّ؛ لقد وهبت لي اليوم من جديد. ثم أوثق الكبش جيدا, و ذبحه شاكرا ربه, وكان هذا البلاء العظيم الذي ابتلى الله به إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام هو اختبار عظيم, ومعجزة بكل المقاييس من المعجزات التي ساقتها إرادة الله I لهما, وقد ضربا عليهما السلام المثل العظيم في الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره, والطاعة الخاشعة المؤمنة لأمر الله, فوهبهما الله هذه المعجزة الكريمة, والأضحية المباركة. وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذه المعجزة في لحظتها الحاسمة فقال عز وجل: {فلما أسلما وتلّه للجبين} 0 قيل: أسلما: أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك فما أن ألقاه إلى وجهه: {وناديناه أن يا إبراهيم* قد صدّقت الرؤيا, إنا كذلك نجزي المحسنين* إن هذا لهو البلاء المبين* و فديناه بذبح عظيم} 0 هذا هو الإسلام الحقيقي, الذي ضربا عليهما السلام فيه المثل العظيم, فكان جزاء الله لهما عظيما, لأنهما أحسنا عبادة الله, وأحسنا طاعة الله, ونجحا في اختبار صعب شمل المصاعب التي تهزم قوى الإنسان و تجعله يخرّ صريعا أمامها, ولكن بقدر ما كان للأب من إيمان مدهش وصبر عظيم وتسليك قانع راض بهذا القدر كان للابن الغلام الصغير0 إنه u كان معجزة إيمانية سلوكيّة, و ضرب ابنه u مثلا في الطاعة فكان مدهشا في رباطة جأشه و وصوله إلى مدى بعيد الطاعة. إن الموقف كله معجزة, ولم يكن الكبش وحده هو المعجزة, الأب, الابن, الكبش, مشيئة الله, كل هذه الأطراف صنعت معجزة هائلة لن تنساها البشريّة.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير