و لقد اختبر u اختبارا عظيما, بكل المقاييس, ولكنه اختبار من الله لرجل هو خليله وهو عبده وهو نبي من الصالحين, أي نوع من أنواع الاختبار يا ترى سيجري على إبراهيم الخليل u 0 نحن أمام نبي يعدّ أبو الأنبياء, وخليل الرحمن, وصفه ربه بالحلم, ونحن أيضا أمام نبي قلبه أرحم قلب على وجه الأرض, فاتسع هذا القلب الكبير لحب الله Y, وحب مخلوقاته, وهذا القلب الرحيم, يمتحن في دقاته دقة دقة ونبضاته نبضة نبضة, لقد كان إسماعيل دقات قلبه, وحبه الكبير, جاءه على كبر من السن, جاءه وهو طاعن في السن ولا أمل هناك في أن ينجب ثم يأتيه الاختبار الصعب في هذا الابن الذي هو قرّة عينه ونبضة قلبه0 يجيء الأمر والاختبار أثناء النوم, لم يكن وحيا مباشرا فما أن استسلم u للنوم حتى رأى في المنام أنه يذبح ابنه و بكره و وحيده الذي لم ينجب غيره0 ترى ماذا حدث في هذه الرؤيا؟ لقد رأى u في نومه هاتفا يهتف قائلا: يا إبراهيم؛ اذبح ابنك في سبيل الله0 ترى ماذا فعل u بعدما سمع هذا الهاتف؟ لقد هبّ u من نومه مذعورا, واستعاذ بالله من مكر الشيطان, ثم عاود نومه مرة أخرى, فعاوده الهاتف أيضا يهتف قائلا: يا إبراهيم اذبح ابنك في سبيل الله0 فهبّ u قائما, وقد صحّ عنده أن الهاتف من عند الله عز وجل, وتحقق أن الله يأمره بذبح ابنه الحبيب إسماعيل. فمن الخطأ أن يظن الإنسان أن صراعا من نفس إبراهيم لم ينشأ بعد هذه الرؤيا, فهذا بلاء مبين, لا بدّ أن ينشأ في النفس من أجله صراع طويل, نشب هذا الصراع في نفس ابراهيم u, صراع الأبوّة الحانية والقلب الذي حمل أكبر قدر من الرحمة والحلم, فكّر ابراهيم في الأمر وتدبّر, وتراجع كل شيء الا شيء واحد وهو الايمان بالله, فهكذا أراه الله في المنام, وبهذه الرؤيا يكون الأمر بالتنفيذ من الله, ورؤيا الأنبياء حق, فلينفذ ابراهيم u أمر ربه, فكله خير فاذا كان التفكير يقتصر على إسماعيل الابن ومخاطبة قلب إبراهيم لنفسه, فان هذا الأمر لابد وأن يتراجع إلى الخلف. أزاح u كل هذا من تفكيره, وصوّب فكره لاتجاه واحد يقول: نفذ أمر حبيبك يا إبراهيم كل ما فكر فيه u, كيف يفاتح ابنه في الأمر وماذا يقول عنه اذا أرقده الأرض ليذبحه. من الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا. وصل u إلى هذه القناعة, لا بد أن يكون صريحا وواضحا مع ابنه. جاء u إلى ابنه, فقال له: يا بنيّ خذ الحبل والسكين وانطلق بنا إلى هذه الهضبة لنجمع الحطب. أطاع الابن أباه, و فعل ما أمره به, و تبعه إلى الهضبة التي أشار إليها والده, كان إسماعيل غلاما مطيعا لا يعصي أباه أبدا, مضى إلى هناك حيث أمره و وقف u أمام ابنه و قد أصبح الاثنان في خلوة لا يراهما أحد إلا الله I, عندئذ قال u لابنه: {يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى, قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} 0 انظر إلى تلطفه u في إبلاغ ولده هذا الأمر, وتركه للأمر لينظر فيه الابن بالطاعة, إن الأمر مقضي في نظر الأب u لأنه وحي من ربه .. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ وجاءت إجابة إسماعيل بنفس جواب ابراهيم u هذا أمر يا أبي, انه أمر الله, فبادر بتنفيذه, وجاء الرد في القرآن على لسان إسماعيل يقول: {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين} 0 انظر إلى هذا الشق من المعجزة, إنه ردّ الابن, إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده .. إن شاء الله .. من ا الصابرين0 فلما تناول الأب u من الابن u الحبل ليوثقه والسكين في يده ليذبحه, قال الابن u له: يا أبتاه, إذا أردت ذبحي فاشدد وثاقي لئلا يصيبك شيء من دمي فينقص أجري, إن الموت لشديد, ولا آمن أن أضطرب عند الذبح إذا أحسست مس السكين, و اشحذ شفرتك حتى تجهز عليّ سريعا, فإذا أنت أضجعتني لتذبحني, فاكببني على وجهي, ولا تضجعني لجنبي, فإني أخشى إن أنت نظرت إلى وجهي أن تدركك رقة, فتحول بينك وبين تنفيذ أمر ربّك فيّ, و إن أردت أن تردّ قميصي على أمي فافعل, فعسى أن يكون هذا أسلى لها0 فقال الأب u: نعم العون أنت يا بني على أمر الله. ثم شحذ u شفرته, وأحكم وثاق ابنه,
¥