تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أمرا واقعا في المستقبل لا نعرف نحن عنه شيئا, ولكن مشيئة الله نافذة, و بعد وقت قليل سيلحق بي بنو إسرائيل وستلحقون بي أنتم جميعا, فاصبروا, ولا تجزعوا فإنه أمر الله, ولا رادّ لأمره, سنلتقي هناك في الأرض المقدسة, وسنجتمع كلنا في الغد القريب. ثم أكّد u على سريّة خروجه, فقال لهم: إذا أصبحتم فاكتموا أمري, فإذا سأل عني سائل فقولوا له: خرج ولا ندري متى يعود .. ! 0 فلما تأثرت الزوجة والأبناء أكّد u قائلا: تصبّروا, فإننا سنلتقي إن شاء الله, هكذا أوحى الله إليّ .. كفوا عن البكاء والحزن, واحبسوا أصواتكم حتى لا يشعر بنا أحد .. و الآن أستودعكم الله. سألت الزوجة: و ماذا أعددت لركوبك؟ قال u : لقد اشتريت حمارا جلدا قويا منذ أيام لهذا الغرض0 فقالت: وأين هو؟ قال: تركته عند صديقي, و واعدته أن يلقاني به الليلة, خارج أسوار المدينة. قالت: وهل علم صديقك بنبأ رحيلك؟ فقال u: نعم, علم بكل شيء, وكان أول من آمن بنبوّتي, وسيكتم أمري كله إن شاء الله. كان الفراق صعبا بالنسبة للزوجة والأولاد والخادمة, وكان وداعا هامسا, حارا, هادئا .. وخرج u 0

المعجزة: مضى u في رحلة طويلة شاقة, بعد لحظات خوف وترقب أثناء خروجه من بابل وقد أحاطها الحراس والجنود في كل مكان. و بعد طول مسير وكثير عناء, وجد u نفسه في الأرض المقدسة التي طالما تاقت نفسه لرؤيتها, فلما دخل وجد شيئا عجيبا, لم يجد آثارا للعمران, بل وجد الخراب جاثما عليها منذ ثلاثين سنة مضت, منذ أن خرّبتها جيوش بختنصر الذي كان قد اقتحم دمشق, وسار منها إلى بيت المقدس, وتذكّر u ملك بني إسرائيل الذي خرج إليه, و قدّم له الطاعة و طلب منه الصلح, و أعطاه من الأموال و الجواهر والأشياء النفيسة ما أرضاه, ويومها طلب بختنصر بعض أعيان بني إسرائيل ليكونوا رهائن عنده ضمانا لاستمرار الصلح, وعدم التمرّد0 وتذكّر أن أهله بني إسرائيل لما نزل بختنصر فزعوا, وتفرّقوا, وأغلقوا دورهم عليهم, فلما صالحه الملك وأعطاه الرهائن وجلا عن البلاد بجيشه, خرجوا من جحورهم غاضبين يلومون ملكهم على الصلح, ويعلنون أنهم كانوا قادرين على قتال عدوّهم, و إنزال الهزيمة به, و ثاروا على ملكهم و قتلوه, و نقضوا الصلح مع بختنصر. و تذكّر كذلك لما رأى الخراب أن بختنصر لما علم بما حدث منهم عاد إلى بيت المقدس, فتحصنوا بداخلها, فحاصرها حصارا شديدا, ثم قام بدك أسوارها بما يقذفه عليها من مدمّرات, حتى تهدّمت, فاندفع جيشه وخرّب المدينة, وقتل النساء والأطفال, و خرّب الدور و الزرع والقرى و قتل وأسر كل من وصلت إليه يداه0 حتى خرّبت الديار, وكثرت الدماء, وتناثرت الأشلاء وهرب من هرب إلى مصر, و مكة و يثرب وجهات أخرى, و أُسر من أُسر0 بقي بختنصر ليأتي على البقيّة الباقية من هدم للبيع والمعابد و إحراق كل ما وقع له من نسخ التوراة, و قتل الشباب من الأسرى القادرين على حمل السلاح, و استبقى النساء والأطفال عبيدا عنده و خدما, وغادر البلاد بعد أن تركها خرابا. كل هذا تذكره u 0 لما رأى الخراب والدمار حوله في كل مكان؛ وجد أشجار الفاكهة قائمة بغير عناية, فلم تحصد منذ سنين ولم تقطف ثمارها, فهي محمّلة بالثمار الحديثة والقديمة, والأعشاب و بعض الزروع وقد تفرّقت هنا وهناك بغير انتظام, وقد كست الأرض, فتطول في مكان وتقصر في الآخر. و سمع u عواء الذئاب بعيدا, و أصوات السباع, و بحث عن أي أثر لأي إنسان فلم يجد, وظل u يمشي و يمشي حتى بلغ مدينة القدس و وجد بها آثارا لمذبحة بختنصر. فعظام القتلى بقايا بالية مبعثرة, والدماء على الجدران سوداء جافة, وعشرات الألوف من الجماجم الآدميّة تدل على هول ما أنزل بختنصر ببني إسرائيل من هلاك, و رأى u البيوت و قد تهدمت و طمرتها الأنقاض, أما المساجد والمعابد فقد أصبحت خاوية على عروشها, مهجورة و قد ملأها التراب ... أهاله u ما شهده من مشاهد, وقد جرت أحداث بختنصر هذه وهو صبي لم يتجاوز العاشرة من عمره, ولكنه سمع فيما بعد بهذه المذابح والمعارك من الآباء لكن ما شهده كان أكبر مما تصوّره, لم يكن يعرف أن هذه المعارك كانت عاتية فادحة الخسائر إلى هذا الحد, الذي يشهده بعينيه وهو يمر بين الأنقاض والديار المهدّمة. طاف u مدينة الأشباح, وقد شغله هذا الماضي المفجع المحزن والحاضر وما سيكون عليه المستقبل, سأل نفسه عدة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير