تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الفاتحة يتلخص في هذه الآية الكريمة: (إياك نعبد وإياك نستعين): أي لا نعبد شيئا ولا أحدا غيرك، ولا نستعين بكائن سواك. إن أول وصية في القرآن، وأول مبدأ يبايع عليه الرسول كل من اعتنق دينه أن (اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا). وأول ما دعا إليه رسول الإسلام ملوك الأرض وأمراءها هو هذه القضية الكبرى: أن يعبد الله وحده لا شريك له، وأن تطرح الآلهة والأرباب التي اتخذها الناس من دون الله، فأذلوا أنفسهم لمن لا يستحق الذل والخضوع. ومن هنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختم رسائله إلى قيصر والنجاشي، وغيرهما من أصحاب الملك والإمارة بهذه الآية الكريمة من سورة آل عمران: (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا: اشهدوا بأنا مسلمون). بل أكد القرآن أن هذه الدعوة هي دعوة الرسل جميعا، فكلهم دعا قومه إلى عبادة الله وحده، واجتناب عبادة الطاغوت، وكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، فهما مبعودان لا ثالث لهما: إما الله وإما الطاغوت. ومن استكبر عن عبادة الله سقط ـ حتما ـ في عبادة الطاغوت. قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).وقال سبحانه مخاطبا خاتم رسله محمدا صلى الله عليه وسلم: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه: أنه لا إله إلا أنا فاعبدون). شدد الإسلام حملته على الشرك، وقعد له كل مرصد، وحاربه بكل سلاح، وقرر أنه الإثم العظيم، والضلال البعيد، والجرم الأكبر، والذنب الذي لا يغتفر. (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله، فقد افترى إثما عظيما) (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا).وفي الصحيح: "من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار"، "ومن لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار".كل ذنب يمكن أن يغفره الله بفضله وكرمه، ويمكن أن يقبل فيه شفاعة الشافعين، إلا الإشراك بالله تعالى. في الحديث القدسي: "يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لاتيتك بقرابها مغفرة! ".ففي هذه الآيات والأحاديث أن أهل التوحيد الخالص ـ الذي لا يشرك صاحبه بالله شيئا أي شيء ـ يعفى لهم ما لا يعفى لغيرهم، لأن التوحيد المحض يحرق الذنوب والخطايا وإن كانت مثل زبد البحر، كما أن الشرك يمحق الحسنات وإن كانت عدد الرمل. لقد كان الإسلام على الحق ـ كل الحق ـ حين وقف موقفة الصارم من الشرك بكل أنواعه. وحرم ـ أشد التحريم ـ أو توجه العبادة إلى غير الله جل ثناؤه. فالعبادة ـ كما قال ابن سيده ـ نوع من الخضوع لا يستحقه إلا المنعم بأعلى أجناس النعم، كالحياة والفهم والسمع والبصر، لأن أقل القليل من العبادة يكبر عن أن يستحقه إلا من كان له أعلى جنس من النعمة، ألا وهو الله سبحانه، فلذلك لا يستحق العبادة إلا الله. وقال الإمام الرازي: إن العبادة عبارة عن نهاية التعظيم، وهي لا تليق إلا بمن صدر عنه غاية الإنعام، وأعظم وجوه الإنعام: الحياة التي تفيد المكنة من الانتفاع، وإليها الإشارة بقوله تعالى: (وقد خلقتك من قل وإن لم تك شيئا) وقوله: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم .. ؟ الآية). وخلق ما ينتفع به من الأشياء وإليها الإشارة بقوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا).ومثله قوله سبحانه: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة).

والحقيقة التي لا ريب فيها أن النعم التي تحيط بالإنسان في كل أطوار حياته، وتغمره من قرنه إلى قدمه، إنما هي من عند الله، كما قال سبحانه: (وما بكم من نعمة فمن الله).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير