تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول ابن القيم:"الرب تبارك اسمه، وتعالى جده ولا إله غيره ـ هو المنعم على الحقيقة بصنوف النعم، التي لا يحصيها أهل سماواته وأرضه. فإيجادهم نعمة منه .. وجعلهم أحياء ناطقين نعمة منه .. وإعطاؤهم الأسماع والأبصار والعقول نعمة منه .. وإدرار الأرزاق عليهم ـ على اختلاف أنواعها وأصنافها ـ نعمة منه .. وتعريفهم نفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله نعمة منه .. وإجراء ذكره على ألسنتهم، ومحبته ومعرفته على قلوبهم، نعمة منه .. وحفظهم بعد إيجادهم نعمة منه .. وقيامه بمصالحهم دقيقها وجليلها نعمة منه .. وهدايتهم إلى أسباب مصالحهم ومعايشهم نعمة منه .. وذكر نعمه تعالى على سبيل التفضيل لا سبيل إليه ولا قدرة للبشر عليه".فلهذا كان هو وحده الجدير بأن يعبد، ولا يشرك معه أحد ولا شيء في الأرض أو في السماء. لم يكن الإسلام متعنتا ولا متزمتا إذن، حين قاوم الشرك إلى هذه الدرجة. فالشرك ـ في الحقيقة ـ هوان لا يليق بكرامة الإنسان، وأي هوان يصيب الإنسان أشد من هذا الشرك الذي يسخر الإنسان المكرم للحيوان والجماد، ويخيفه مما لا يخاف، ويرجيه فيما لا يرجى؟! ثم إن الشرك ـ فضلا عما فيه من انحطاط وقذارة وهوان بالإنسان ـ هو كذب على الحقيقة، وتزوير على الواقع، وصدق الله: إذ يقول: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان، اجتنبوا قول الزور، حنفاء لله غير مشركين به، ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق).

أعلن الإسلام الحرب على هذا الشرك الضال المضل بكل ألوانه وأصنافه، ورفع من قيمة الإنسان، وأعلن أنه المخلوق المكرم المفضل المستخلف لله في الأرض، المصور في أحسن صورة وأحسن تقويم. (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر) (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) (وصوركم فأحسن صوركم) (علم الإنسان ما لم يعلم) (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه).فكيف يسجد الإنسان لهذه المخلوقات وهي له مسخرة، وفي مصلحته وخدمته مذللة؟ وكيف يسجد لها وقد سجدت الملائكة بأمر الله تحية له واحتفاء به (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس).أعلن الإسلام أنه ليس في العالم المخلوق شيء يستحق أن يسجد له الإنسان أو يتضرع إليه أو يرجوه أو يخشاه! فالملائكة عباد لله خاشعون خاضعون (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون) (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون).والبشر ـ وإن علا سلطانهم، أو عظم قدرهم، أنبياء كانوا أو سلاطين، هم أيضا عباد لله، لا يملكون لأنفسهم، فضلا عن غيرهم، ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. والعبودية هي الوصف اللازم لهم جميعا (إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا، لقد أحصاهم وعدهم عدا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).والشمس والقمر والنجوم إن هي إلا كواكب مسخرات بأمره تعالى، لا يجوز أن ينحني صلب من أجلها راكعا، أو يخر وجه من أجلها ساجدا (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون).وكل ما يدعى من دون الله في الأرض أو السماء، هو مخلوق عاجز لا قدرة له، محتاج لا قيام له بذاته، ضعيف لا يقوى على حماية نفسه بله غيره (يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له، إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب، ما قدروا الله حق قدره، إن الله لقوي عزيز) (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا. أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محذورا). (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين).

سد الذرائع المفضية إلى الشرك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير