تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما اندفاع الشر عنه، فهو مقصود لغيره على سبيل التبع، فإن القلب خلق يحب الحق ويريده ويطلبه، فلما عرضت له إرادة الشر طلب دفع ذلك، فإنها تفسد القلب، كما يفسد الزرع بما ينبت فيه من الدغل، ولذا قال تعالى: (قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها) (قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى).فإذا لم تؤد الصلاة مهمتها في إيقاظ الضمير، وغرس خشية الله ومراقبته في النفس، تلك التي تؤدي إلى الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، فإن صلاته تلك تكون صلاة بتراء ناقصة، تكون جثة هامدة تنقصها الحياة وقد جاء في بعض الآثار: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له".وما قلناه في الصلاة نقوله في الصيام، فليس كل صيام يحظى بدرجة الرضا عند الله، ما لم يؤد إلى التقوى التي جعلها القرآن مرجوة بحصوله: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فإذا لم يؤد إلى هذه التقوى، وصام بطنه وفرجه، ولم يصم لسانه ولا جوارحه ولا قلبه، فحري بصيامه أن يرد وأن يكون عملة زائفة، وأن ينطبق عليه ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" وقال عليه السلام: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر".ومن أجل ذلك كله كان السلف الصالحون من المسلمين يهتمون بالصوم عن اللغو والحرام، كما يصومون عن الشراب والطعام. قال عمر: ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو" وروي عن علي مثله. وعن جابر قال: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء. وقال ميمون بن مهران: أهون الصيام الصيام عن الطعام. وكذلك الزكاة والصدقة، إذا داخلها رياء، أو لحقها من أو أذى للفقير، فإن ذلك يفسدها ويحبط ثوابها، فليس المهم هو المال الذي تعطيه اليد الغنية لليد المستحقة، وإنما المهم هو صدق النية، وصفاء السريرة، وإخلاص القلب، وقد قال ابن عطاء: الأعمال صور قائمة وروحها هو وجود سر الإخلاص فيها. وإننا لنجد هذا المعنى واضحا في هذه الآيات الكريمة من كتاب الله: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم، يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، فمثله كمثل صفوان عليه تراب، فأصابه وابل فتركه صلدا، لا يقدرون على شيء مما كسبوا، والله لا يهدي القوم الكافرين، ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين، فإن لم يصبها وابل فطل، والله بما تعملون بصير).وليس بعد هذا التصوير القرآني بيان فيما للإخلاص من أثر في قبول الصدقة أو ردها.

بركة النية الصالحة

وقد قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجل مخلص أراد أن يتستر بصدقته، ويعطيها تحت ستار الليل، حيث يكون في مأمن من رياء الخلق، وابتغاء المحمدة والشهرة عند الناس، ولكنه أخطأ السبيل، فوضعها في غير موضعها، وأعطاها من لا يستحقها، ولكن صدق نيته وإخلاصه نفعه، وبارك عمله، فلم تذهب صدقته سدى، ولم تضع هباء، فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجل: لا تصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق! فقال: اللهم لك الحمد على سارق؟! لأتصدقن بصدقة .. فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية!! فقال: اللهم لك الحمد على زانية؟! لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني!! فقال: اللهم لك الحمد .. على سارق وزانية وغني؟!: فأتى ـ أي في المنام ـ فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما صدقتك على زانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله".وبهذا القصص كان يعلمهم النبي الكريم أن الإخلاص هو ينبوع الخير، وميزان القبول.

إنما الأعمال بالنيات:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير