تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن المبدأ الثالث الذي وضعه الإسلام في شأن العبادة: أن أساس القبول لأي عبادة هو إخلاص القلوب لله تعالى، فإن حقيقة العبادة ليست شكلا يتعلق بالمظهر، ولا رسما يتصل بالجسد، ولكنها سر يتعلق بالقلب، وإخلاص ينبع من الروح، فإذا لم يصدق قلب المسلم في عبادته، ولم يخلص لله في طاعته، وأداها رسوما خالية من الروح، كما ينطق الأبله بالألفاظ الخالية من المعنى، فهناك يردها الله عليه، كما يرد الصيرفي النقاد الدارهم الزائفة. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين) (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين) (قل الله أعبد مخلصا له الدين).

وقد افترى بعض المبشرين والمستشرقين على الإسلام، فزعموا أنه لا يعنى إلا بالمراسم والأشكال في العبادات، ولا يعنى بالقلب والنية والضمير، ورد هذه الفرية عليهم مستشرقون آخرون لم يسلم الإسلام منهم أيضا .. بيد أنهم لم يسيغوا هذا الكذب الوقاح والجهل الصراح.

قال جولد زيهر في كتابه عن "العقيدة والشريعة في الإسلام":

"مما لا شك فيه أن الإسلام شريعة، فهو يخضع المؤمنين به لأعمال شعائرية، ومع ذلك .. فإن معين التعاليم الإسلامية الأولى ـ وهو القرآن ـ يعتبر صراحة: أن الأعمال بالنيات، ويعد النية معيارا للقيمة الدينية: ويرى أنه إذا لم تقترن دقة احترام الشريعة بأعمال رحمة وخير كانت قليلة القيمة. (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)."وفيما يتعلق بشعائر الحج التي نظمها، من بين تقاليد الوثنية العربية ـ استنادا إلى كلمة الله: (لكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم) ـ جعل محمد أهمية كبرى لنية التقوى التي يجب أن تصحب هذه الشعيرة حين يقول: "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم"."والجزء الأكبر للإخلاص ـ كما في سورة غافر (فادعوا الله مخلصين له الدين) ولتقوى القلوب ـ كما في سورة الحج (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) ـ وللقلب السليم ـ كما في سورة الشعراء (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).فهذه هي وجهة النظر التي تسود في تدير الفضل الديني للمؤمنين."وهذا الإقناع قد نما فيما بعد بفضل التعاليم المستخلصة من السنة، والتي ما لبثت أن شملت جميع نواحي الحياة الدينية، وبفضل نظرية النية والقصد والروح التي تلهم الأعمال، والتي اتخذت معيارا لقيمة العمل الديني، فمجرد ظل لباعث من بواعث الأثرة أو الرياء يجرد كل عمل طيب من قيمته. فالقلب هو الأساس في الإسلام، وهو موضع نظر الله تعالى، ومحل عنايته، وهو مستند القبول والفلاح في الآخرة، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يحب أن ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم"، "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب". ويقول القرآن: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ، من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب، ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود).

العبادة المقبولة عند الله

ولهذا يرى الإسلام أن العبادة المرضية عند الله ليست هي ذلك الشبح الخالي من الروح، وإنما هي تلك التي تصاحبها النية الصادقة، ويسري فيها روح الإخلاص سريان العصارة في أغصان الشجرة الناضرة، فتؤتي في النفس أكلها، وتثمر في الخلق والسلوك ثمرتها، وتذكر صاحب العبادة بحق الله، وتنبهه على حقوق الناس، فليست كل صلاة جديرة بالقبول عند الله، فإن من الصلوات ما يضرب بها وجه صاحبها، ومن هنا قال تعالى في شأن الصلاة المقبولة: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) فإن الصلاة ـ كما قال ابن تيمية ـ فيها دفع لشر مكروه، وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل لخير محبوب، وهو ذكر الله، وحصول هذا المحبوب أكبر من دفع ذلك المكروه، فإن ذكر الله عبادة الله، وعبادة القلب لله مقصودة لذاتها،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير