تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ففقدت معنى التعبد والابتلاء. أديان تشددت وتعنتت وتزمتت حتى لكأنها إصر وأغلال، وأخرى ترخصت وغلت في الترخص، حتى لكأنها لهو ولعب.00وجاء الإسلام، فلم يمل مع الغالين، ولم ينحرف إلى المقصرين، بل شرعه الله "دينا قيما" لا عوج فيه، ولا غلو ولا تقصير، بل كان كما خاطب الله رسوله: (قل: إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم. دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء).أجل، جاء الإسلام بعدة توجيهات ومبادئ إصلاحية كانت هي حجارة الأساس، التي يقوم عليها صرح العبادة الشعائرية في الإسلام، ونحن نذكرها فيما يلي من الصحائف. منذ أكثر من ألفي سنة قال المؤرخ اليوناني المشهور بلوتارك بعد فحص واستقراء: "من الممكن أن نجد مدنا بلا أسوار، ولا ملوك ولا ثروة، ولا آداب ولا مسارح، لكن لم ير إنسان قط مدينة بلا معبد، أو لا يمارس أهلها العبادة".وما سجل التاريخ هذه الحقيقة إلا لأن الاتجاه إلى الخالق الأعلى مركوز في الفطرة البشرية، نابع من أعماق النفس، غير أن هذا الشعور الأصيل كثيرا ما أخطأ الطريق إلى معبوده الحق "الله جل جلاله" وجرفته تيارات الجهل أو الغفلة أو التضليل، فعبد غير الله، أو عبد معه آلهة شتى، أو عبده بغير ما شرعه ورضيه من صور التعبد. ولذا كانت مهمة الرسل أن يوجهوا الفطرة وجهتها السليمة إلى الله، وأن يحفظوا ذلك الشعور الأصيل من الانحراف، حتى لا يعبد الإنسان إلا الله، ولا يشرك به شيئا، ولا يتخذ بعض المخلوقات أربابا من دونه. وفي الفترات التي طال فيها الأمد على دعوة الرسل فنسيت أو حرفت، ضل الناس وعبدوا أنواعا من الآلهة لا يكاد العقل يصدقها. فهناك قوم عبدوا الشمس، كما حكى القرآن عن ملكة سبأ وقومها على لسان هدهد سليمان: (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون).ومنهم من عبد القمر والكواكب، كقوم إبراهيم ومن بعدهم من الصابئة. ومنهم من عبد النار كالمجوس، الذين بنوا لها البيوت الكثيرة، ووقفوا لها الأوقاف، واتخذوا لها السدنة والحجاب، فلا يدعونها تخمد لحظة واحدة. ومن عبادتهم لها: أن يحفروا لها أخدودا مربعا في الأرض ويطوفون به. وهم أصناف مختلفة:

فمنهم من يحرم إلقاء النفوس فيها وإحراق الأبدان بها، وهم أكثر المجوس. وطائفة أخرى منهم تبلغ بهم عبادتهم لها أن يقربوا أنفسهم وأولادهم لها!! وهناك طائفة عكس هؤلاء عبدوا الماء من دون الله وتسمى (الحلبانية) وتزعم أن الماء لما كان أصل كل شيء، وبه كل ولادة ونمو ونشوء وطهارة وعمارة، كان حقه أن يعبد. وهناك طوائف كثيرة عبدوا الحيوانات: فطائفة عبدت الخيل، وطائفة عبدت البقر (كقدماء المصريين قديما الذين عبدوا عجل أبيس، وكالهندوس حتى اليوم).وهناك طائفة عبدت البشر الأحياء والأموات. وطائفة عبدت الشجر، وطائفة عبدت الجن كما قال تعالى: (بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون).وهناك من عبد الأصنام والأوثان، وهذا داء قديم منذ عهد قوم نوح الذين اتخذوا من دون الله ردا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، وقد روى ابن عباس أنها كانت في الأصل صورا لبعض موتاهم الصالحين اتخذوها لتذكرهم بهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوها. وفي بلاد كالهند، قد بلغت الوثنية أوجها في القرن السادس الميلادي، وأصبح عدد الآلهة في هذا القرن 330 مليون. وقد أصبح كل شيء رائع، وكل شيء جذاب، وكل مرفق من مرافق الحياة، إليها يعبده الناس! وهكذا جاوزت الأصنام والتماثيل والآلهة والإلهات الحصر، وأربت على العد. وكانت عبادة الأصنام قد انتشرت في ديار العرب قبل الإسلام انتشارا ذريعا، قال ابن اسحاق: واتخذ إله كل دار في دارهم صنما يعبدونه، فإذا أراد رجل منهم سفرا تمسح به، وإذا قدم من سفر تمسح به، فيكون آخر عهده به وأول عهده به. وقال أبو رجاء العطاردي: كنا نعيد الحجر في الجاهلية فإذا وجدنا حجرا هو أحسن منه نلقي ذلك ونأخذه، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من تراب، ثم جئنا بغنم فحلبناها عليه، ثم طفنا به. وكذلك قال عمرو بن عبسة: "كنت امرءا ممن يعبد الحجارة، فينزل الحي ليس معهم إله، فيخرج الرجل منهم، فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة لقدره، ويجعل أحسنها إلها يعبده،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير