[مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني +1+]
ـ[المساوي]ــــــــ[11 - 04 - 2007, 02:31 ص]ـ
:::
مقدمة قراءة جديدة للسرد القصصي في الخطاب القرآني
بقلم الأستاذ عبدالرزاق المساوي
مدخل:
لا يختلف اثنان – وحتى المعاند لا يجاحد - في أن القرآن الكريم كتاب دعوة دينية يتوخى هداية البشرية والحفاظ على فطرتها التي فطرت عليها وتعريفها بطبيعة ما هديت إليه من النجدين ?وهديناه النجدين? (البلد:10) .. فهو كتاب لتربية الإنسانية –وما أدراك ما التربية- على مبادئ عقيدية حياتية قبل وبعد كل شيء، ولكن ليس بالمفهوم القاصر للدين أي الطقوسي .. وليس بالمفهوم الضيق للعقيدة ..
وأنه كتاب استخدم لتحقيق هذا الغرض كل الوسائل التوضيحية وجميع الأساليب البيانية وشتى الطرق التصويرية التي تسعف الناس في فهم مقاصده ومراميه وإدراك مفاهيمه ومعانيه والوقوف على مضامينه ورؤاه والتعرف على بنائه ومكوناته .. ومن ثمة ندرك أن القصة فيه مكون من مكوناته، هي وسيلة من وسائله وأسلوب من أساليبه لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال فنية خالصة أو ذات رؤية محض أدبية بمعنى أنها لم تصغ لهذا الغرض، ولكن هذا لا يعني أبدا أننا ننفي عنها ذلك إذ يمكن القول بأنها ليست محض فنية أو أنها ليست لها أغراض جمالية صرف، أو أنها لم تنزل لكي تعتبر ذات رؤية أدبية معينة .. إلا أنها تحمل في طياتها - من بدايتها إلى نهايتها- من القضايا الفنية والخصائص الأدبية والمقومات الجمالية والمكونات الأسلوبية والرؤى الإبداعية والإشارات البلاغية والعلامات الحبلى بالمؤثرات المشهدية والتصويرية والإيقاعية، ما يغري الباحث المسلم على سبر أغوارها والكشف عن أسرارها واستجلاء مكامنها واستقصاء معانيها وفهم مراميها والغوص في أعماقها للكشف عن كنوزها ونفائسها والخوض بكل الأدوات المتاحة في جميع جزئياتها والكشف عن طبيعتها وتفكيك مكوناتها وعناصرها وإعادة صياغتها في إطار الخطاب الرباني ككل .. ومن ثمة يدفعه كل هذا إلى التعامل معها من الناحية التحليلية بأي منهج من المناهج –ما دام قد اكتسب حصانة ربانية على مستوى الفكر والتحليل- التي يرى أنها تساعده على فهم بناء السرد القصصي في الخطاب القرآن سواء كانت مناهج تربوية أو أدبية أو علمية أو معرفية أو ثقافية أو نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو انتروبولوجية، الخ .. مع مراعاة ما لهذا النوع القصصي من الخصائص المميزة والمتميزة وكذلك مع الحذر والحيطة مما قد تحمله بعض المناهج النقدية أو التحليلية من تقصير في النظر أو إفراط في التنظير أو غوص في رؤى غير سليمة أو غير واضحة المعالم قد تؤدي إلى مزالق عقيدية أو تصورية ..
إن القصة في القرآن كانت وما تزال مثار اهتمام كثير من الدارسين والباحثين والمهتمين كل حسب منهجه في القراءة ورؤيته في التحليل وطريقته في التعامل مع الخطابات ككل، ومع الخطاب القرآني على الخصوص ومع المكون القصصي فيه على الأخص .. إلا أن بعضهم إن لم نقل جلهم لم ينج في تفكيره وطريقة عرضه من الشطط، أو لم يفلت من الإخلال بالمعاني الحقيقية أو قل من سوء الفهم ومن ثمة سوء التعامل حتى (بقصد أو بغير قصد) .. وكان هذا نتيجة حتمية:
1* إما للتعامل مع القصة القرآنية بالطرق العتيقة والمناهج البالية والقراءات القديمة التي لم تضف أي شيء يذكر لفهم بنيتها وأدراك معانيها وتحديد مغازيها وتقديمها للمتلقي على اعتبار أنها مكون أساس من مكونات الخطاب الرباني الذي يُتوخى منه رسم خريطة قوله تعالى: ?قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم ? (الأنعام:167) .. ..
2* وإما كان نتيجة الحماس المتهور الذي تدفعه السرعة والعجلة أو الطمأنينة الفكرية في الرد على بعض الشبهات التي نعت بها بعضهم الإسلام ككل في فترة من فترات تاريخه الحديث والمعاصر أو نعت بها بعض أو كل مكونات القصة في القرآن الكريم كأسطورية وخرافيته وعدم تاريخية ما جاء فيه من قصص الرسل والأنبياء، ونقله عن الكتب السابقة عنه بل وتحريفه للحقائق التاريخية .. إلى ما هنالك من شبهات طالت الكتب الورقية والإلكترونية .. فكان الرد ألعن من الشبهة نفسها، لأنه أوقع أصحابه فيما أراد الأعداء حينما استفزوهم بأسلوب ذكي واستدرجوهم بشبهات غير علمية فاستجابوا وأجابوا بغير هدى ولا علم، فاستطال الآخر وتمادى في الغي وبدأ يضرب الفكرة الإسلامية بأصحابها ..
3* وإما كان نتيجة للتطبيق الحرفي وغير المشروط للنظريات الفكرية والثقافية والأدبية والنقدية الجديدة الوافدة على عالمنا العربي والإسلامي تحت لواء العولمة الثقافية والفكرية وتأميم الأدوات الإجرائية النقدية والأدبية .. بشكل لا يلائم حقيقة وضع القصة القرآنية ولا يناسب طبيعة بعض قضاياها .. أو يتعارض مع هدف من أهدافها المسطرة في القرآن نفسه، والتي من أجلها ذكرت في هذا الكتاب العظيم ..
ولسنا نقصد بكلامنا هذا أن ما سيجيء في هذه الأسطر من قراءتنا المقترحة والمتواضعة سيكون معصوما من الزلل أو لن ينال منه الخطأ أو لن يعتريه الشطط، ولكن ما نرجوه من العلي القدير هو أن نكون من الموفقين في عرض أفكار جديدة وتأملات صائبة حول السرد القصصي في الخطاب القرآني العظيم بشكل أفضل وطريقة أحسن ومنهجية متكاملة تيسر فهم كثير من غوامض عالمها وتسهل استيعاب دلالاتها الحقيقية ومضامينها الهادفة وتبسط الطريق للعيش في أجوائها والتمتع الروحي بصورها وإيحاءاتها وكذا دفع بعض المشكلات العالقة بفهمها وتفسيراتها والتي تحول بين القارئ وبين الاستنارة بهداها وحكمها وأحكامها أو التنعم بأساليبها وبيانها، أو إقرار العين بأنسها وإمتاعها، أو التلذذ بجرسها وموسيقاها وإيقاعها، أو التمعن في تشخيصها ورسمها للعوالم المختلفة ظاهرها وباطنها قريبها وبعيدها صغيرها وكبيرها ...
وللبحث بقية إن شاء الله تعالى ..
¥