[ألوان الطيف فيزيائيا وفكريا]
ـ[الأسد]ــــــــ[21 - 04 - 2007, 02:41 ص]ـ
يمثل الضوء ظاهرة فلسفية وفيزيائية بارزة لها آثارها العميقة , وتفاعلاتها الحيوية على مسرح الحياة , فقد ساد الإعتقاد منذ عهد الفلاسفة اليونانيين بأن الضوء عبارة عن جسيمات تنبعث من الأجرام المضيئة , فأما أفلاطون وبطليموس وبعض فلاسفة اليونان فقد اعتقدوا بأن الإبصار يتم بخروج نور من العين إلى الجسم المرئي مما ينجم عنه إحساس بالرؤية , ولا ندري هل للمصطلح (نور العين) أصل في ذلك الفهم لطبيعة الرؤية أم أنه مجرد تعبير مجازي لم يتأثر بذلك المفهوم.
أما العالم العربي (الحسن بن الهيثم) فقد وضع الأمر في نصابه عندما قال بنظرية الورود أي أن النور يرد من الأجسام المرئية إلى العين لتحصل الرؤية بذلك.
أما الفيلسوف الألماني (جورج هيجل) الذي وصف الضوء بأنه التكامل المغلق الذاتي كقوة بحتة كالحياة الشاملة داعمة نفسها في حضنها التي تتكون اندفاعتها من التعارض الحالي في اتجاه الحركة المرتبكة بالذات , وفي تدافعها وتدفقها يتم إلغاء كل الاختلاف لتصل إلى الخط المطلق.
وبالرغم من الغموض الذي اكتنف ظاهرة الضوء وقوانينها عبر قرون طويلة إلا أن العصور القديمة لم تخل من بعض المحاولات والتطبيقات الأولية ومن أبرزها قصة الفيلسوف اليوناني أرخميدس الذي استطاع أن يشعل النيران في سفن الرومان بتركيز أشعة الشمس عليها من خلال المرايا العاكسة مما رفع درجة حرارتها حتى احترقت وتهاوت تلك الترسانة البحرية القوية تحت وطأة سهام الضوء عبر الاستخدام الذكي للمعرفة المتاحة أنذاك.
بعد ذلك جاء العالم البريطاني (إسحاق نيوتن) في نهاية القرن السابع الهجري ليؤسس لرؤى منضبطة في التعامل مع الظواهر الطبيعية وكان ذلك من خلال أول بحث يقدمه في حياته بعنوان: (نظرية جديدة عن الضوء والألوان) , فترك بذلك بصمات مهمة في تطوير الفكر الفيزيائي الحديث.
فقد قام نيوتن بوضع منشور ثلاثي مصنوع من زجاج في غرفة مظلمة , وسمح لشعاع رقيق من ضوء الشمس بالمرور عبر ثقب في نافذة الغرفة , فسقط هذا الشعاع على أحد وجوه المنشور , وخرج من الطرف الآخر ليسقط في حاجز , وكانت النتيجة أن تحلل الضوء الأبيض وتفرق إلى سبعة أضواء ملونة وهي: الأحمر فالبرتقالي فالأصفر فالأخضر فالأزرق فالنيلي فالبنفسجي.
لقد أطلق نيوتن على هذه الأضواء الملونة اسم (الطيف) ومن هنا كانت البداية مع هذا المصطلح الحيوي الذي أخذ بعد ذلك يحتل موقعا متناميا في العلوم الحديثة وأصبح علم الدراسات الطيفية تخصصا قائما بذاته له أربابه والقائمون عليه.
إن الضوء يحتل منطقة جدا من ذلك الطيف الرحب فهناك أشعة جاما والأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية , وهي التي تحتل مرتبة أعلى في الطاقة , وأقصر في طول الموجة من موجات الضوء , وأما الأشعة تحت الحمراء والموجات الدقيقة (المايكرويف) وموجات الراديو فإنها تحتل موقعا أدنى في الطاقة وأطول في طول الموجة من موجات الضوء.
وهكذا تعرفت البشرية على مدى رحب من الموجات الكهرومغناطيسية التي تسبح في كون الله الفسيح , واتضح للإنسان أن ماتدركه حواسه , وماتراه عيناه في منطقة الضوء إنماهو جزء بسيط وضئيل من مملكة الخالق عز وجل {فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون}.
لقد أصبح مصطلح الطيف من أثرى المصطلحات وأهمها في قاموس العلوم الحديثة , وقد تأسس هذا العلم عندما اتضح أنه عند تهيج ذرات عنصر ما فإنها تشع إشعاعات ذات طول موجي محدد بحيث أصبح لكل عنصر في الطبيعة خطوط طيفية مميزة.
وهكذا بنفس الطريقة التي يتم من خلالها القبض على المجرم بعد اكتشاف بصماته على مسرح الجريمة , استطاع سلاح الطيف الحاسم أن يكتشف وجود عنصر (الهليوم) على الشمس عبر بصماته الطيفية , وأما على صعيد المجرات فقد اتضح من خلال الدراسات الطيفية للضوء الوارد من مختلف المجرات أن الكون في حالة تمدد دائم ومستمر , وهو مايعرف بنظرية الكون والتمدد , وصدق الحق عزوجل {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون}.
ومن ناحية أدبية واجتماعية فقد غزا مصطلح الطيف الفكر البشري، فأضاف معطيات دلالية ولغوية ومعنوية ولهذا نسمع أحيانا عن الطيف الاجتماعي , والأطياف الثقافية , وأطياف الرأي في المجتمع خصوصا عندما نعلم أن الرأي لا يكون ناصع البياض بل يحدث له التقاء مع الموجات الفكرية الأخرى.
وهكذا أيضا حال المجتمعات الفكرية فعندما تتعدد الآراء وتتداخل في الفضاء الفكري فإننا نحصل على تداخل بناء بين الحجج الأقوى والبراهين الأنصع فيتعاظم أثرها وتأثيرها , ويتضخم عطاؤها , ومن تلك الآراء ما يتداخل تداخلا هداما فتنحسر موجته , وتتضاءل درجة تأثيره أو تكاد تنعدم.
* منقول بتصرف واختصار.
ـ[أم يوسف2]ــــــــ[21 - 04 - 2007, 07:47 م]ـ
جهد مشكور احييك علي المجهود الرائع
دمت سالما أخى"الأسد"
والسلام