[من صور كمال عبودية النبي صلى الله عليه وسلم]
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 03 - 2007, 11:18 ص]ـ
يقول ابن القيم رحمه الله:
وسن لأمته، أي النبي صلى الله عليه وسلم، الحمد والاسترجاع والرضى عن الله ولم يكن ذلك منافيا لدمع العين وحزن القلب ولذلك كان أرضى الخلق عن الله في قضائه وأعظمهم له حمدا وبكى مع ذلك يوم موت ابنه إبراهيم رأفة منه ورحمة للولد ورقة عليه والقلب ممتلئ بالرضى عن الله عز و جل وشكره واللسان مشتغل بذكره وحمده.
ولما ضاق هذا المشهد والجمع بين الأمرين على بعض العارفين يوم مات ولده جعل يضحك فقيل له: أتضحك في هذه الحالة؟ قال: إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه فأشكل هذا على جماعة من أهل العلم فقالوا: كيف يبكي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم مات ابنه إبراهيم وهو أرضى الخلق عن الله ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هدي نبينا صلى الله عليه و سلم كان أكمل من هدي هذا العارف فإنه أعطى العبودية حقها فاتسع قلبه للرضى عن الله ولرحمة الولد والرقة عليه فحمد الله ورضي عنه في قضائه وبكى رحمة ورأفة فحملته الرأفة على البكاء وعبوديته لله ومحبته له على الرضى والحمد وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة. اهـ
"زاد المعاد"، (1/ 203، 204).
فاتسع قلب العبد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم للعبادتين في آن واحد بينما ضاق قلب ذلك العارف عن الجمع بينهما فاختار الرضا.
ويقول أبو العباس بن تيمية رحمه الله:
وكان حال رسول الله أكمل من حاله، أي: من حال الصديق رضي الله عنه يوم بدر، ومقامه أعلى من مقامه ولم يكن الأمر كما ظنه بعض الجهال أن حال أبي بكر أكمل نعوذ بالله من ذلك ولا نقص في استغاثة النبي صلى الله عليه و سلم ربه في هذا المقام كما توهمه بعض الناس وتكلم ابن عقيل وغيره في هذا الموضع بخطل من القول مردود على من قاله بل كان رسول الله صلى الله عليه جامعا كاملا له من كل مقام ذروة سنامة ووسيلته فيعلم أن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا قدح في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ويعلم أن عليه أن يجاهد المشركين ويقيم الدين بكل ما يقدر عليه من جهاده بنفسه وماله وتحريضه للمؤمنين ويعلم أن الاستنصار بالله والاستغاثة به والدعاء له فيه أعظم الجهاد وأعظم الأسباب في تحصيل المأمور ودفع المحذور.
ولهذا كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبلت قريش ومعه أصحابه أخبر أصحابه بمصارعهم وقال: هذا مصرع عتبة بن ربيعة وهذا مصرع شيبة بن ربيعة وهذا مصرع أمية بن خلف وهذا مصرع أبي جهل بن هشام وهذا مصرع فلان، ثم مع علمه أن ذلك سيكون يعلم أن الله إذا قضى شيئا يكون فلا يمنع ذلك أن يقضيه بأسباب تكون وأن من الأسباب ما يكون العباد مأمورين به ومن أعظم ما يؤمر به الاستغاثة بالله فقام بما يؤمر به مع علمه بأنه سيكون ما وعد به كما أنه يعبد الله ويطيعه مع علمه بأن له السعادة في الآخرة.
والقلب إذا غشيته الهيبة والمخافة والتضرع قد يغيب عنه شهود ما يعلمه ولا يمنعه ذلك أن يكون عالما به مصدقا له ولا أن يكون في اجتهاد وجهاد بمباشرة الأسباب ومن علم أنه إذا مات يدخل الجنة لم يمنع أن يجد بعض ألم الموت والمريض الذي إذا أخبر أن في دوائه العافية لا يمنعه أن يجد مرارة الدواء فقام مجتهدا في الدعاء المأمور به وكان هو رأس الأمر وقطب رحى الدين فعليه أن يقول بأفضل مما يقوم به غيره.
وذلك الدعاء والاستغاثة كان أعظم الأسباب التي نزل بها النصر ومقام أبي بكر دون هذا وهو معاونه الرسول والذب عنه وإخباره بأنا واثقون بنصر الله تعالى والنظر إلى جهة العدو وهل قاتلوا المسلمين أم لا والنظر إلى صفوف المسلمين لئلا تختل وتبليغ المسلمين ما يأمر به النبي صلى الله عليه و سلم في هذه الحال
ولهذا قال تعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار)، سورة التوبة 40، وأخبر تعالى أن الناس إذا لم ينصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار
وهذه الحال كان الخوف فيها على النبي صلى الله عليه و سلم دون غيره والوزير مع الأمير له حال وللأمير حال.
بتصرف يسير من "منهاج السنة"، (8/ 80_82).
فكان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من جمع بين عبوديتي: التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، ولا يعني ذلك القدح في صديقه وأنيسه في الغار، وإنما هو التفاضل في الكمال.
والله أعلى وأعلم.
ـ[أبو لين]ــــــــ[19 - 03 - 2007, 02:41 م]ـ
نعم أخي وعزيزي ورفيق دربي مهاجر لا حرمنا الله من مواضيعك المفيدة
والجدير بالذكر هنا أنّ أبا بكر الصديق: r تعلم من معلمه الأول الرسول:=
في هذا الموقف والدليل على أنّه لا يترك شيئا إلا ويتعلمه من الرسول:= أنّه استفاد من حادثة الغار وتصدّق بماله كله فقال له الرسول:= وماذا تركت لأهلك فقال كلاما يدل على أنّه نعم المتعلم (تركت لهم الله ورسوله:=) وهذا هو قمّة التوكل على الله فنعم المُعلّم محمد:= , ونعم المتعلم أبو بكر: r
وجزاك الله خيرا على هذا الموضوع الجميل ونحن في حاجة لنتعلّم المزيد عن معلم البشريّة محمد:= وعلى آله وصحبه ونستفيد من مواقف أصحابه الأوفياء الأكارم.
فبارك الله فيك أخي مهاجر ورعاك
¥