تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لنا لا شرعا ولا عقلا أن نجعل من أحد كائنا من كان مصدرا للحق والصدق دون نظر وتأمل إذ إن الحق لا يثبت إلا بدليله وليس فلان أو فلان بدليل. هذا مع ملاحظة أن العقل قد يحركه الهوى فيما يعرض ويعلن والنفس الأمارة بالسوء بين جنبي ابن آدم تسوقه أحيانا إلى مضايق الزيغ والضلال حتى لو وهبه الله تعالى عقلا يقظا ونشطا وهو أمر يجب أخذه في االاعتبار بقدر أكبر في زمننا هذا على وجه الخصوص حيث تداخلت الثقافات واوتينا من بين أيدينا ومن تحتنا ومن حوالينا وصار تحصيل النظر الذي ليس به زغل أمر بحاجة لمجاهدة وطول مراجعة ووجب الحذر الأكبر مما تعرضه وسائل الإعلام ذات القدرات الواسعة على النشر والإعلان والتي تخاطب الجميع على اختلاف أقدار عقولهم ومستويات فكرهم فتسلك أحيانا مسالم الإضلال المتعمد وتسلك أحيانا أخرى مسالك الضلال المتوهم وتتملق في الكثير من الأحيان العقول والنفوس فتتنزل إلى ما في عقول العامة من محدودية وتميل إلى ما نفوسهم من تيه وانحراف. وهنا أعرض لمسألة أخرى وجب رها وإخراجها من الساحة حتى يخلو الأمر للحوار الجاد المثمر وأعني بذلك ما يقوله العض عن الأسلوب الذي يسلكه عمرو خالد والذي يقوم على التبسيط للمسائل منتقلين من ذلك دون وجه حق إلى إعتبار التبسيط أمرا محمودا غاضين النظر عن أنه قد يؤدي أحيانا إلى خلل في عرض المسائل يضاف إليه خلل في فهمها كما أن السعي وراء التبسيط يؤدي إلى نزع الجدية عن بعض الأمور المحترمة ذات الطابع الجاد.

ومن أغرب الأمور وأكثرها استقاقا للاستهجان أن يرد البعض النقد الموجه لفكر أو عمل إنسان بدعوى أن كل ابن آدم خطاء وكأن التسليم بهذه الحقيقة يوجب السكوت عن كل خطأ والقبول به أمرا أوجبته طبيعة النقص البشري غافلين عن أن ذلك يعني بكل بساطة كسر كل موازين تزن الحق والباطل والخطأ والصواب فلا يبقى بعد ذلك مجال لمحاسبة أو قصد لتصحيح وتقويم حتى لا يبقى من حياة البشر إلا حياة دون حياة الحيوان حيث إن الحيوان نفسه يتعلم من الخطأ ولو إلى قدر محدود.

ويهلل البعض فرحا جاهرا بالحمد لله تعالى أن لم تكن الأخطاء التي ذكرتها أخطاء عقدية تمس الدين في لبه وجوهره وكأن كل ما لم يكن من صلب العقيدة فقد جاز فيه الخطأ وقبل فيه ازلل. على أن عدم تعرضي لمثل هذه الأخطاء الي ذكر لا يعني خلو ما يعرضه عمرو خالد منها فهناك من تتبع مثل تلك الأخطاء بتوسع. غير أني لم أكن في صدد تناولها وكان كلامي في ذكر بعض الأخطاء المحددة الواردة في حلقة واحدة وجعلت ذلك مقدمةلحديثي فلم يكن ذكر الأخطاء هو الغرض الأصلي بل كان غرضي أن أبين تهاوي وتفسخ مفهوم التعايش ذاته كما عرض في البرنامج ولم أكن أحب لأحد تنفس هواء الإسلام أن يستهين بالخطأ لمجرد كونه خارج حدود التعارض مع متطلبات العقيدة ذلك أن المسلم يعلم علم اليقين أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان قبل أن يحمله الوحي أمانة الدعوة والرسالة وتغيير عقيدة الشرك إلى عقيدة التوحيد موصوفا بين قومه بالصدق والأمانة وهما صفتان وجب أن يتصف بهما كل من يمارس دعوة بين النلس في أي مجال أجازت الحياة الإنسانية فيه حصول الدعوة إذ كيف للناس أن يقبلوا دعوة لو لم يكن لديهم صادقا أمينا في العقيدة وفي غير ذلك وأضيف إلى ذلك أن كثرة الخطأ – وهو حال عمرو خالد – يفتح باب الشك ي مدى جدية والتزام الداعية أو المفكر أو المثقف أو المعلم ويدل على تساهله وانسياقه مع الهوى ودواعي النفس.

إن العصر الذي نعيش فيه وما اتصف به من نمو للنشاط العقلي بقدر كبير غير مسبوق في مجالات اعلم المتعددة على اختلافها وفي مجالات الثقافة والأدب جعل من عدم التوقي الحازم من الوقوع في الخطأ العقلي أو الفكري مهما كان بسيطا أمرا ممقوتا يسقط هيبة ومصداقية صاحبه إذا تكرر. وعلينا ألا ننسى في هذا الخصوص أن العرض الساذج للإسلام يسيء له إذ يظهره وكأنه بناء غير راسخ الأركان أو متناسق الجدران وهي مسألة سنتعرض لها في حيث مقبل بإذن الله تعالى وحسبنا الآن أن ندرك مدى الحاجة لاحترام عقول المخاطبين باحترام المنطق السبيم والتزام الموضوعية والتحلي بروح التجرد عن الهوى وعدم الوقوع في المبالغات التي تستهجنها الفطر السليمة وعدم مخالفة الحقائق الثابتة في ميادينها.

وأضيف أخيرا أنه مما يجافي الذوق السليم ويعارض المنطق القويم أن يرد قول القائل بدعوى أنه خامل الذكر غير معروف فلا يكون له أن يتكلم في شأن من أخذ من الشهرة بنصيب ناهيك عمن طارت شهرته في الآفاق وقد علمنا أن الحق حق من أي مكمن جاء وسمعنا بمن وافته المنية وهو خامل الذكر فلما مرت السنون وربما القرون جاء من يفحص عن بعض آثاره فأخرجه وهو في قبره من خمول الذكر إلى فضاء الشهرة فصارت كتبه تتناول وأفكاره تتداول.فالحق الحق هو المبتغى والمقصد وعلى من يمم وجهه شطره أن يتجرد عن كل نوازع الهوى.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير