تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأي حرب لله، عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أكبر من الردة عن دينه، أليست هذه محاربة لله ورسوله يستحق فاعلها البتر؟!!!

وهذا الاستدلال الفاسد، أشبه ما يكون باستدلال كثير من المسلمين بقوله تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، على أن للمكلف الحرية التامة في الإيمان أو الكفر، على طريقة: (أنا حر يا أخي، ملكش دعوة!!!)، كما يقال عندنا في مصر، مع أن المكلف ليس حرا، وإنما هو عبد لمن خلقه يأتمر بأمره وينتهي بنهيه، والأمر في هذه الآية ليس للتخيير كالأمر في قولك: تزوج هندا أو أختها، وإنما هو للتهديد، بدلالة ما بعدها: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)، ولا يكون هذا الوعيد إلا على أمر لا تخيير فيه، فمن آمن فقد خرج من دائرته، ومن كفر فقد استحق نفاذه فيه، فهو من قبيل: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، وقوله تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

يقول ابن كثير، رحمه الله، في تفسير هذه الآية:

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد للناس: هذا الذي جئتكم به من ربكم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} هذا من باب التهديد والوعيد الشديد، ولهذا قال: {إِنَّا أَعْتَدْنَا} أي: أرصدنا {لِلظَّالِمِينَ} وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} أي: سورها. اهـ

ولم يختلف الفقهاء في مشروعية، بل وجوب، إقامة هذا الحد على المرتد، بعد استتابته، ثلاثة أيام، فإن رجع، وإلا ضربت عنقه، رغم أنف منظمات حقوق الإنسان!!!، وإنما حصل الخلاف في إقامته على المرأة المرتدة، فذهب الأحناف، رحمهم الله، إلى أنها لا تقتل، بل تحبس لئلا تفتن غيرها من النساء، فإن رجعت خلي سبيلها وإلا بقيت في الحبس حتى تموت إن أصرت على ردتها، فقاسوها على الكافرة الأصلية التي جاء النص بتحريم قتلها، وهو قياس مع الفارق من جهة:

أن الكافرة الأصلية لم تدخل في دين الله، عز وجل، أصلا، ليقال بأنها ستفتن بنات جنسها بردتها، بل هي ممن يصدق عليهم قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، فعلا، فلا تكره هي ولا غيرها على الدخول في دين الله، عز وجل، فالدين في غنى عن أتباع يدخلون فيه قسرا!!.

وحتى النهي عن قتل الكافرة الأصلية، إنما هو في حال عدم قتالها للمسلمين، فإن قاتلت فهي حربية مهدرة الدم، والمرتدة تشاركها من هذه الجهة، لأنها بردتها تحارب الدين صراحة، بفتنتها للمسلمين، فمجرد ردتها تحريض لهم على ترك هذا الدين والتحول عنه بحجة أن الحق في غيره، والواقع يشهد بأن أي معتنق لدين أو فكر جديد يضطرم حماسا لنشره بين الناس، واعتبر بدعاة الشيوعية والاشتراكية في ستينات القرن الماضي فقد كانوا من أجلد الناس وأصبرهم على نشر باطلهم في المجتمعات العربية كما وفع في مصر والسودان واليمن ......... إلخ، بل قد "استشهد"!!! بعضهم في سبيل شيوعيته، فأي حرب للدين أشرس من هذه؟!!!.

واستدلوا، أيضا، بقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، فـ: "من" في أصل وضعها للذكور، فتخرج الإناث من عموم الحكم، و الصحيح أن "من" الشرطية تفيد العموم دون تفريق بين ذكر وأنثى، بدليل قوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ)، وقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا)، فضلا عن أن غالب خطابات الشرع إنما وردت بصيغة المذكر من باب التغليب، فالإناث داخلات فيها تبعا، ولا يقول عاقل بأن الأمر في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، للذكور فقط، لأن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير