فالأولون: يحتجون بخبر الآحاد في العلميات والعمليات على حد سواء، متى ثبتت صحته، ولا تثبت إلا بقول أئمة الحديث، إذ عندهم من القرائن والمرجحات، ما ليس عند غيرهم، شأنهم في ذلك شأن أصحاب كل فن، فالقول قولهم في هذا الباب فما صححوه فهو الصحيح وإن خالفهم غيرهم، وما ضعفوه فهو الضعيف وإن خالفهم غيرهم.
والآخرون: يقصرون الاحتجاج به على العمليات دون العلميات، في ثنائية فيها من التناقض ما فيها، فكثير من العمليات هي مسائل أصول، كأركان الإسلام، وكثير من العلميات هي مسائل فروع، كمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه ليلة المعراج، فكيف يحتج في الأولى بالآحاد ولا يحتج بها في الأخرى؟!!
يقول أبو طالب المكي، رحمه الله، في "قوت القلوب":
"فإنا قوم متبعون نقفوا الأثر غير مبتدعين بالرأي والعقول نرد به الخبر .............. إلى أن قال: وفي رد أخبار الصفات بطلان شرائع الإسلام، لأن الناقلين إلينا ذلك هم ناقلوا شرائع الدين وأحكام الإيمان، فإن كانوا عدولا فيما نقلوه من الشريعة فالعدل مقبول القول في كل ما نقلوه، وإن كانوا كذبوا فيما نقلوا من أخبار الصفات فالكذب مردود القول في كل ما جاءوا به".
فقبول خبرهم في باب ورده في باب آخر: تفريق بين متماثلين، فإما أن يطرد القبول متى ثبتت العدالة، وإما أن يطرد الرد متى ثبت الجرح.
ومن الأسماء التي وردت في روايات ضعيفة:
"السخي": فقد ورد مع النظيف في رواية ضعيفة عند السيوطي، رحمه الله، في "الجامع الصغير"، من حديث ابن عمر مرفوعا: "إن الله تعالى جميل يحب الجمال، سخي يحب السخاء، نظيف يحب النظافة".
و "الهوي": فقد ورد في حديث صحيح رواه النسائي من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي، رضي الله عنه، أنه قال: (كنت أبيت عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت أسمعه إذا قام من الليل يقول: سبحان الله رب العالمين الهوي، ثم يقول: سبحان الله وبحمده الهوي)، وقد فسره بعض العلماء على أنه اسم، وليس هذا مقصد الراوي لأن الحديث ورد تفسيره في روايات أخرى صحيحة أنه يعني بالهوي وقت الليل الطويل قبل منتصفه أو بعده، ولا يعنيه اسما لله عز وجل، فعند الترمذي رواية ربيعة رضي الله عنه: (كُنْتُ أَبِيتُ عِنْدَ بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُعْطِيهِ وَضُوءَهُ فَأَسْمَعُهُ الْهَوِيَّ مِنْ اللَّيْلِ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَأَسْمَعُهُ الْهَوِيَّ مِنْ اللَّيْلِ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
فـ: الهوي: ظرف زمان منصوب، كقولك: زرتك غروب الشمس، بنصب "غروب"، أي: أن زمان زيارتي لك كان عند غروب الشمس.
وقد عده الإمام القرطبي، رحمه الله، من الأسماء الحسنى، وقال: (منها الهوي جل جلال الله وتقدست أسماؤه)، ثم تأوله معناه بأنه المحبوب من خلقه العارفين بحقه.
و "المنعم" و "المفضل":وقد وردا في حديث ضعيف مرسل رواه ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن بعض أشياخه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الأمر مما يعجبه قال: الحمد لله المنعم المفضل الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا الأمر أتاه مما يكرهه قال: الحمد لله على كل حال).
و "رمضان":
ولم يثبت في حديث صحيح، وإنما رواه البيهقي وابن عدي من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان)، وهو حديث ضعيف وقيل موضوع، وقد عده الإمام القرطبي من الأسماء الحسنى وشرح معناه، مع أنه جزم بأنه لم يأت في الكتاب ولا في السنة الثابتة، بل نفى في تفسيره أن يكون اسما فقال:
(واختلف هل يقال "رمضان" دون أن يضاف إلى شهر، فكره ذلك مجاهد وقال: يقال كما قال الله تعالى.
وفي الخبر: (لا تقولوا رمضان بل انسبوه كما نسبه الله في القرآن، فقال: شهر رمضان).
وكان يقول: بلغني أنه اسم من أسماء الله.
وكان يكره أن يجمع لفظه لهذا المعنى.
ويحتج بما روي: رمضان اسم من أسماء الله تعالى، وهذا ليس بصحيح فإنه من حديث أبي معشر نجيح وهو ضعيف.
والصحيح جواز إطلاق رمضان من غير إضافة كما ثبت في الصحاح وغيرها).
¥