لَكُمْ أَنْهَارًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}).
"مجموع الفتاوى"، (16/ 52_54).
واسم الله، الرازق، يتعلق بالتقدير الكلي العام، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، بخلاف اسمه الكريم: الرزاق، فصيغة المبالغة تدل على تكرار الفعل، وهو أمر غير متصور في التقدير الكوني العام، فقد فُرِغ منه، بخلاف التقدير الجزئي الخاص المتعلق بآحاد الرزق، فهو حادث، بمعنى أنه متجدد، فيتكرر بتكرار الرزق، فناسب أن تأتي الصيغة الدالة عليه: صيغة مبالغة، لأنه يتجدد مرارا بعدد المرزوقين وعدد ما يسوقه الله، عز وجل، إليهم من الأرزاق.
واسم الله، عز وجل، الرازق، يدل بدلالة التضمن على صفة الرزق الفعلية المتعلقة بمشيئته، عز وجل، فهو يرزق من يشاء كيف شاء متى شاء.
ومع:
70_ القاهر:
فقد ورد في القرآن الكريم الكريم في موضعين في:
قوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).
وقوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ).
وجاء في السنة في حديث سرد الأسماء الحسنى عند ابن ماجه رحمه الله.
والقاهر في اللغة: اسم فاعل للموصوف بقهر غيره، فعله: قهر يقهر قهرا، وقهرت الشيء غلبته وعلوت عليه مع إذلاله بالاضطرار، فتقول: أخذتهم قهرا: أي من غير رضاهم.
ففيه معنى العلو على الغير مع تمام السلطان.
وعلو القهر أحد أنواع العلو الثلاثة: علو القهر وعلو الشأن وعلو الفوقية، وإليها أشار صاحب سلم الوصول، رحمه الله، بقوله:
علو قهر وعلو الشان ******* جل عن الأضداد والأعوان
كذا له العلو والفوقيه ******* على عباده بلا كيفيه
ولم يقع الخلاف بين المنتسبين إلى الملة في علو القهر والشأن، وإنما وقع في علو الباري، عز وجل، بذاته، القدسية، على عرشه، وهو أحد نوعي العلو:
العلو العام: وهو الذي يدل عليه العقل، وإن كان مدار الباب على خبر الوحي المعصوم، وهو صفة ذاتية معنوية لا تتعلق بمشيئة الله، عز وجل، فهو العلي على خلقه: أزلا وأبدا على الوجه اللائق بجلاله وعظمته علوا تدرك العقول معناه وتعجز عن حده وتكييفه.
والعلو الخاص: وهو الاستواء على العرش، فمداره على خبر الوحي المعصوم، إذ لا يدل العقل عليه، وإن كان لا يحيله، فهو من محارات العقول لا محالاتها، فالاستواء: صفة فعلية تتعلق بمشيئة الباري، عز وجل، فيستوي على عرشه استواء يليق بجلاله، متى شاء كيف شاء، ولا دور للعقل فيه إلا التسليم وتدبر المعنى دون الخوض في الكيف، فلا مطمع في دركه.
والقاهر هو الغالب على جميع الخلائق على المعنى العام، الذي يعلو في قهره وقوته فلا غالب له ولا منازع له، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه، فيستحيل أن يكون لهذا العالم إلا إله واحد، فلو فرض وجود إلهين، وأراد أحدهما شيئا، فلا يخلو الأمر من حالين:
أن يوافقه الأول: فلا يقال عندئذ إن مشيئته مطلقة، لأنه مفتقر إلى إذن الآخر وإن وافقه.
وإما أن يخالفه: فيقع التضاد بين إرادتيهما فتنفذ إرادة الأقوى، ويكون هو القاهر الغالب ويكون الآخر هو المقهور الخاسر، فلا تستقيم أمور العالم إلا بإله واحد قاهر لما سواه، متفرد بالسلطان، منزه عن الشريك والولد، غني عما سواه، ممد لخلقه بأسباب البقاء، فلا غنى لهم عنه، فكلهم فقراء إليه، وما ثم إلا: غني غناه ذاتي أصيل، وفقير فقره ذاتي أصيل.
يقول ابن جرير، رحمه الله، في تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ):
"ويعني بقوله:"القاهر"، المذلِّل المستعبد خلقه، العالي عليهم. وإنما قال: "فوق عباده"، لأنه وصف نفسه تعالى ذكره بقهره إياهم. ومن صفة كلّ قاهر شيئًا أن يكون مستعليًا عليه.
فمعنى الكلام إذًا: والله الغالب عبادَه، المذلِّ لهم، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه". اهـ
واسم القاهر يدل بالمطابقة والتضمن واللزوم على ما دل عليه اسمه: القهار، غير أن الأول يدل على القهر الكلي العام، فمعنى القهر فيه: إجمالي، بخلاف اسم القهار فهو يدل على القهر الجزئي الخاص، باعتبار آحاد المقهورين، فمعنى القهر فيه: تفصيلي، فناسب أن يرد بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة وتعدد آحاد الفعل والمفعول.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
¥