تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن الله، عز وجل، لم يأمرنا بالاعتصام مطلقا، بأي فكرة توحد الجموع ولو كانت فكرة قومية أو فلسفية أو عاطفية كدعاوى "التقريب بين المذاهب" التي ظهرت في أواسط القرن الماضي، وغلبت عليها العاطفة وغابت عنها الموضوعية والمنهجية، فهي محض عاطفة، لا ننكر صدق حاملها، تأثرت بهزائم المسلمين المتتالية فظنت الحق في تجميع الأبدان، وإن انطوت القلوب على ما انطوت عليه من غل وحقد، لأن الأصل الذي اجتمعوا عليه لم يكن: "حبل الله"، فالاعتصام في الآية مقيد به، ولو كان مطلقا لصحت دعواهم، وصح الاعتصام بأي جامعة تجمع الشعوب على اختلاف توجهاتها العقدية والقومية كـ: "الاتحاد الأوروبي" أو "الاتحاد الأفريقي" ............. إلخ من التجمعات الإقليمية.

فالاعتصام لا يكون إلا بالوحي المنزل من: قرآن وسنة، بفهم القرون المفضلة التي جاءت النصوص بتزكيتها، فضلا عن كونهم أعلم الناس بلغة التنزيل ومقاصده، فعليهم نزل غضا طريا ففهموا من مقاصده ما لم نفهم، ولا يعني ذلك الرجوع إلى طرائقهم في شؤونهم الدنيوية البحتة، وإنما الكلام الآن في: العقائد والشرائع من: عبادات ومعاملات وسياسة شرعية وأخلاق، أو ما عرف بعد ذلك بـ: "السلوك"

فلسنا بحاجة إلى أقوال المتكلمين لبيان عقيدتنا، ولسنا بحاجة إلى آراء فقهاء الرأي المذموم الذين يقدمون آراء الرجال على نصوص الوحي، ولسنا في حاجة إلى أرباب السياسة العلمانية المذمومة لبيان شرائعنا وأحكامنا، ولسنا في حاجة إلى أئمة الطرق التي انحرفت عن منهج الوحي في مسائل الأخلاق والتزكية، لسنا بحاجة إليهم لتزكية نفوسنا.

وأما قاعدة: نتفق فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، فهي تحتاج إلى نوع تقييد، فالعذر لا يكون مطلقا، وإنما يعذر بعضنا بعضا فيما يسوغ فيه الاختلاف، أما أن يكون الاختلاف في أصل كلي من أصول الدين لا يسوغ الخلاف فيه، ومع ذلك يعذر بعضنا بعضا، فهذا مما لا يسوغ بأي حال من الأحوال، فلابد من تحرير محل النزاع أولا، وبيان نوعه: هل هو خلاف في أصل لا يعذر المخالف فيه، أم هو خلاف في فرع يسوغ الخلاف فيه، وإن كان الحق واحدا على الراجح من أقوال أهل العلم، أم هو خلاف تنوع، لا إشكال فيه، فكل على صواب ابتداء.

ونظرة سريعة على تاريخ ظهور البدع التي فرقت الأمة تؤكد على ما سبق، فقد بدأ الأمر بـ:

فتنة ابن سبأ الذي نجح في إثارة سفلة الناس على أمير المؤمنين: عثمان، رضي الله عنه، فوفد شذاذ الآفاق إلى المدينة النبوية من مصر والعراق من سفهاء الأحلام، حدثاء الأسنان، حدثاء العهد بالإسلام، لم يتلقوا دينهم عن الصحابة، رضوان الله عليهم، لبعد الديار، فكان موطن الخلل، عدم التلقي عن الصدر الأول، أقل الناس اختلافا وأعظمهم اجتماعا واعتصاما بالكتاب والسنة، فلم يتمكن ابن سبأ من نشر دعايته في المدينة: أرض النبوة ومهد الرسالة، لتوافر الصحابة، رضوان الله عليهم، فيها، فضلا عن كون الدين فيها غضا طريا لم يتلطخ بعد بأي بدعة أو فكر دخيل وافد من الأمم الأخرى.

وقُتل عثمان، رضي الله عنه، وكان ما كان، من حرب الجمل وصفين، ونجح أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في اجتياز هذا الامتحان الصعب، وفشل الخوارج لما ضاقت عقولهم وصدورهم عن قبول الحق، فظهر أول افتراق في الأمة، تلاه ظهور الغلاة في آل البيت، رضوان الله عليهم، كرد فعل لتكفير الأوائل لعثمان وعلي، رضي الله عنهما، وسائر الجماعة المسلمة آنذاك، وقتل عبد الرحمن بن ملجم، عليه من الله ما يستحق، أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، وتنازل خليفته الحسن السبط، رضي الله عنه، عن الخلافة، لمعاوية، رضي الله عنه، فتحققت فيه البشارة النبوية، وكان هو السيد الذي أصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين، واتحدت كلمة المسلمين، من الناحية السياسية، في عام الجماعة، ولكن بذرة الافتراق العقدي التي نمت فأثمرت ظهور الخوارج ومن تلاهم لم تمت، بل ازدادت نموا، فتبلور مذهب الخوارج الذين كفروا مرتكب الكبيرة، وظهر الإرجاء كرد فعل له، وازداد الغلاة في آل البيت، رضوان الله عليهم، غلوا، فظهرت بدعة الحط على الشيخين، رضي الله عنهما، وسائر الصدر الأول، ومرة أخرى: كان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير