تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الوقوع في الصدر الأول، حملة هذا الدين، من أهم أسباب الافتراق، لأن تنحيتهم عن موقع الصدارة بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفتح الباب لكل مبتدع ليقول ما شاء في دين الله، عز وجل، فلا هيبة ولا تعظيم لقدرهم في صدره، وظهرت بدعة نصب العداء لآل البيت، رضوان الله عليهم، في مقابل بدعة الغلو فيهم، وهكذا البدع التي تفرق الأمة: ردود أفعال حادثة لا أصل لها، فالغلو ظهر في مقابل طعن الخوارج، فقابله النواصب بالجفاء، وازدادت الفرقة بمقتل الحسين، رضي الله عنه، شهيدا مظلوما، فظهرت حركات سياسية في بادئ أمرها، كحركة المختار بن أبي عبيد الثقفي، للأخذ بثأر الحسين، رضي الله عنه، لم تلبث أن انحرفت في عقائدها، وازداد الغلو في هذا الاتجاه، فظهرت الحركات الباطنية، لاسيما بعد مقتل زيد بن علي، رحمه الله، في خلافة هشام بن عبد الملك، وكانت البصمات الأجنبية واضحة في هذه الحركات، فدخل فيها من دخل من زنادقة الأمم التي قهرها الإسلام، ليفسدوا الإسلام باسم الإسلام، وتبعهم من تبعهم ممن هم مسلمون ظاهرا وباطنا، ولكن هذا الباطل راج عليهم لجهلهم وبعدهم عن الأصل الأول، أصل الجماعة المسلمة التي أسسها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تقوى من الله ورضوان.

وفي أواخر عهد الصحابة: ظهر الكلام في القدر، فظهر القدرية النفاة الذين غلوا في نفي القدر، وكانت أصولهم أجنبية، فأظهر معبد الجهني هذا القول، حتى أنكر مرتبة علم الله، عز وجل، بالكائنات والحوادث قبل وقوعها، وقال بأن الأمر أنف، كما في حديث أركان الإسلام، من مسند ابن عمر، رضي الله عنهما، في أول صحيح مسلم، وقتل معبد في عهد هشام بن عبد الملك، رحمه الله، ولكن قوله لم يمت، فقد ورثه المعتزلة بعد ذلك، وإن أقروا بمرتبة العلم، ولكنهم أنكروا مرتبة الخلق، فالعباد عندهم خالقون لأفعالهم، وستروا هذا الباطل بستار أصلهم الثاني: العدل، وكالعادة ظهر رد فعل لأولئك، فظهر الجبرية الذين غلوا في إثبات القدر حتى نفوا قدرة العبد، فهو ريشة في مهب الريح، وكان جهم أشهر من أظهر هذه البدعة التي سرت بعد ذلك إلى المتكلمين الذين قالوا بـ: "الكسب" الذي قرره أبو الحسن الأشعري، رحمه الله، والصوفية الذين غلب على متأخريهم الجبر، فغلوا في إثبات الإرادة الكونية، وفنوا في توحيد الربوبية، فضعف جانب الألوهية عندهم، فضعف الانقياد للإرادة الشرعية تبعا لذلك.

وبانقراض جيل الصحابة، أمنة هذه الأمة، أطلت البدع المغلظة برأسها، فظهر القول بنفي أسماء الباري، عز وجل، وصفاته على يد الجعد وتلميذه الجهم، اللذين قتلا في أواخر أيام الدولة الأموية، وكان الجعد شؤما على تلميذه: مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، الذي عرف بـ: مروان الجعدي، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام، رحمه الله، فكان خط الانحراف السياسي يسير بإزاء خط الانحراف العقدي، فلما كان بنو أمية أشداء على أصحاب البدع العلمية، وهذا أمر لا ينكره إلا جاحد، مكن الله، عز وجل، لهم في الأرض، فاتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهدهم حتى دفع ملك الصين الجزية عن يد وهو صاغر، وعبر الإسلام إلى أوروبا، القارة العجوز، ففتحت الأندلس في أخريات أيام الوليد بن عبد الملك، رحمه الله، ولا يعني ذلك غض النظر عما تلبس به بعضهم من بدع عملية كتأخير الصلاة والوقوع في علي وآل بيته، رضي الله عنهم، لما حصل بين أبناء العمومة يوم صفين، وما تلا ذلك من مقتل الحسين رضي الله عنه.

وكان سند هذه البدعة أجنبيا، كالعادة، فسند الجهم ينتهي إلى لبيد بن أعصم، الساحر اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم!!!!، ولم يمت قوله بموته، وإنما تسلل إلى أقوال المعتزلة ومن جاء بعدهم من المتكلمين، وإن كان المعتزلة أحسن حالا منه، فقد أثبتوا ما لم يثبته من الأسماء، وإن وافقوه في نفي الصفات في تناقض عجيب، وكذلك كان المتكلمون بإثباتهم الصفات المعنوية السبع أحسن حالا من المعتزلة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير