تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا يستطيع أحد إنكار وجود تيار متشدد من أهل السنة غلا في بعض المسائل العلمية والعملية، ولكن يبقى أنه تيار محدود، فلا يصح في الأذهان اتهام المنهج بأكمله لأخطاء وقعت من بعض أفراده، فمحل البحث: المنهج العام في تلقي العقائد والشرائع والأخلاق لا أخطاء متبعيه.

والتعصب موجود في كل الملل والنحل، فلم التركيز على أخطاء أهل السنة دون غيرهم، مع غض الطرف عن دراسة منهجهم دراسة منصفة، بدلا من إثارة الزوبعات حوله؟!!!!!

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ******* ولكن عين السخط تبدي المساويا

والكلام على هذه البدع ليس إثارة لخلافات اندثرت، فما زال كثير من هذه المذاهب المنحرفة موجودا إلى الآن في كثير من أقطار المسلمين، فالنصيرية في جبال الشام، والدروز في لبنان، والغلاة في آل البيت، رضوان الله عليهم في فارس، وقد نال أهلنا في العراق الحبيب منهم ما نالهم، والإسماعيلية الباطنية المعروفون بـ: "البهرة" في الهند، ورئيس الدولة الآن منهم، ومنصب رئيس أركان الجيش التركي العلماني من نفس الطائفة، وهو تقليد ابتدعه مصطفى كمال أتاتورك في حربه على كل مظاهر الإسلام الصحيح في دولة الخلافة.

والملاحظ في كلام الحداثيين المعاصرين أنه يتفق مع كلام أهل البدع السابقين في كون مصدره أجنبيا غريبا عن هذا الدين الحنيف، فلا مستند شرعي لهم فيما ذهبوا إليه إلا أدلة ضعيفة، أو تعسفا في الاستدلال بنصوص صحيحة تبعا لأهوائهم على طريقة "القص واللصق".

وأما مذهب أهل السنة والجماعة فهو مذهب قديم قدم الحق الذي أرسل به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأصحابه، لا ينتصرون إلا له، ولا ينسبون إلا إليه، خلاف بقية النحل التي ينتسب أتباعها إلى أشخاص بعينهم، كانوا مقموعين أيام السلف، فليس لهم لسان صدق في الآخرين، أو رجال ظهروا بعد انقضاء القرون المفضلة، وإن كان منهم أئمة أفاضل، ولكن قولهم لا يعدل قول صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

يقول مالك رحمه الله: "أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي".

فنحل أهل البدع محدثة لا أصل لها، يروي ابن بطة، رحمه الله، في "الشرح والإبانة" عن بعض العلماء قولهم: ولدت قبل الاعتزال.

ويروي عن الشعبي، رحمه الله، قوله: كنت ولا رفض في الدنيا.

ويروي عن مجاهد، رحمه الله، وقد ذكر القدر عنده قوله: كفرت بدين ولدت قبله.

ولقائل أن يقول اليوم: ولدت قبل "الليبرالية"، و: كنت ولا ليبرالية في الدنيا، و: كفرت بليبرالية ولدت قبلها!!!!!

وأصول أهل السنة واحدة مع اختلاف أزمانهم وأقطارهم، خلاف أهل البدع التي يطرأ عليها التبديل باستمرار، فيبدأ الانحراف يسيرا ثم ما يلبث أن يصير عظيما حتي يأتي على أصل الدين في كثير من الأحيان.

يقول قوام السنة الأصبهاني رحمه الله: "وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل، فأورثهم الاتفاق والائتلاف".

ويقول في موضع آخر: "ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق، أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كل واحد منهم قطرا من الأقطار، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة، ونمط واحد يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها، ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد ونقلهم واحد، لا ترى بينهم اختلافا ولا تفرقا في شيء وإن قل، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم، ونقلوه عن سلفهم، وجدته كأنه جاء من قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا؟!! ".

ولا يرد على ذلك اختلاف أصحاب المذاهب في الفروع، فهو اختلاف في جملته سائغ، مع كون الحق واحدا إلا في المسائل التي يكون الاختلاف فيها: اختلاف تنوع، كصيغ الأذان، وصيغ التشهد ......... إلخ، فكل محق وإن كانت بعض الصيغ أفضل من بعض، ولم يقل أحد بأن الأصول العقدية للأئمة الأربعة مختلفة، بل كانوا جميعا على أصل واحد تلقوه عن السلف بالإسناد، فأصولهم محررة من جهة: صحة الإسناد وصحة الاستدلال.

يقول أحمد رحمه الله: المذهب لمالك والشافعي، والظهور لأحمد بن حنبل.

فلم يأت أحمد، رحمه الله، بدين جديد، وإنما أظهر دينا كان عليه مالك والشافعي ومن سبقهم إلى الصدر الأول، فلما تكلم أهل البدع تكلم أحمد، ولو سكتوا لسكت.

والجماعة هي الحق ولو كنت وحدك، ولما سئل ابن المبارك، رحمه الله، عن الجماعة، قال: أبو بكر وعمر، فقيل له: قد مات أبو بكر وعمر، فقال: فلان وفلان، فقيل له: قد مات فلان وفلان، فقال: أبو حمزة السكري جماعة.

رواه الترمذي في باب: "ما جاء في لزوم الجماعة" من جامعه.

فلم يعن ابن المبارك، رحمه الله، أن جماعة المسلمين هي أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، فقط، وإنما عرف العام بذكر بعض أفراده، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه، فما كان عليه أبوبكر وعمر هو الأصل الأول الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فعليك به ففيه السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير