تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

البيان العربي هو التراث المتمثل في الشعر والخطب والأمثال والأقوال المأثورة، وقد تميز هذا التراث قبل مجيء الإسلام بتعدد الأغراض، وسعة المعرفة وعمق الفكر، وجمال التعبير، ولما نزل كتاب الله على العرب كان فكرهم وأدبهم ولغتهم قد بلغت نضجا كبيراً، فخاطبهم الله باللغة التي أبدعوا بها، وهي لغة استوفت خصائصها التركيبية والدلالية والصوتية، وتضمنت فنونا بلاغية طريفة، وتعابير أدبية بليغة، وحكما وأمثالا عميقة الدلالة·

وكانت الأمثال لونا من هذا البيان الذي نضج في تراثهم: المثل السائر في كلام العرب كثير نظما ونثرا، وأفضله أوجزه وأحكمه أصدقه·

وهي ضروب من الأقوال الفنية البليغة المتضمنة للحكم التي عبرت عن أوضاع اجتماعية أو نفسية أو فكرية أو سلوكية، فلذلك كانت أكثر جريانا على ألسنة الناس، فقالوا: مثل شرود وشارد أي سائر لا يرد كالجمل الصعب الشارد، ففيها الحكم والعبر والمواعظ والتوجيه والإرشاد، ومقارنة الأشباه والنظائر، واستحضار المعنوي بالمحسوس، والغائب بالحاضر، وإفحام الخصم والمعاند، ولهذا السبب كانت الأمثال الموجزة كثيرة في كلام الأنبياء والحكماء، وفي الشعر والخطب، يستحضرها القوم في المناسبات والمنتديات والأسواق الأدبية، تبرز نمط الحياة، وأذواق الناس، وطريقة تفكيرهم·

وإذا كان للأمثال هذا القدر الكبير من التأثير في حياة الناس تفكيرا وسلوكا وأخلاقاً ومعاملات فإن كتاب الله أولى باستعمالها من أجل الموعظة والتوجيه والاعتبار، لأن رسالة الإسلام جاءت من أجل إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وكل وسيلة تبلغ الإنسان إلى هذه الغاية كان كتاب الله يستعملها، قال رسول الله [: إن القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال وحرام ومحكم ومتشابه، وأمثال، فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال:

الأمثال، كما في الحديث الشريف، للاعتبار والموعظة، لأنها نبهت الناس لما ينبغي أن يتبعوه أو يجتنبوه·

وقال الزمخشري: ولضرب العرب الأمثال، واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق حتى تريك المتخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه شاهد·

وفيه تبكيت للخصم الألد، وقمع لسورة الجامح الأبي، ولأمر ما أكثر الله في كتابه المبين، وفي سائر كتبه أمثاله، وفشت في كلام رسول الله، (وكلام الأنبياء والحكماء) ·

وقد أخذ الشعراء والأدباء والخطباء من أمثال القرآن ما يقوي حجتهم، ويكسب أدبهم سمة الجمال والرونق، قال أبو تمام يرد على بعض من أنكر عليه ضرب لون من المثل في شعره:

لا تنكروا ضربي له من دونه

مثلا شرودا في الندى والباس

فالله قد ضرب الأقل لنوره

مثلا من المشكاة والنبراس

هذا التأثير ناتج من كون أمثال القرآن تضمنت إعجازا وتوجيها وحكما ومواعظ بالغة الدلالة، وهل سمع العرب مثلا أكثر تعبيرا للدلالة على الضعف والوهن لآلهتهم التي لا تنفع ولا تضر في قوله تعالى: {كمثل العنكبوت اتخذت بيتا، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} العنكبوت -41·

إن المثل قوي في الدلالة على ضعف الآلهة التي كانوا يعبدونها، فهي تفقد صفة الحياة والقدرة لكي تجيب الداعي وتلبي رغبته، ولم يجد الجهلة والسفهاء منهم سوى التهكم بأمثال كتاب الله وقولهم: إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت، ويضحكون من ذلك لجهلهم بالمقاصد، أو للتخفيف عن أنفسهم من شدة وقعه·

ومن خصائص أمثال الكتاب العزيز أنها ارتبطت بالمجتمع في معتقداته وتفكيره وأخلاقه وسلوكه وعاداته وتقاليده من أجل إصلاح الأفراد، وتوجيههم إلى سبيل الخير، فقبحت الكفر والعصيان والضلال، وزينت الإيمان والتقوى، ودعت إلى الاستقامة والعمل الصالح، قال تعالى، مبينا إهمال القوم تعاليم الكتب السماوية، وعدم الانتفاع بها، وهي بين أيديهم، وفي ذلك إهانة لكسلهم، وتحقير لعقولهم: {كمثل الحمار يحمل أسفارا} >الجمعة- 5البقرة -264

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير