ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله سائل كلّ راعٍ عمّا استرعاه: حفظ أم ضيع». وأخرج البيهقي في السنن الكبرى عن عبد الله ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنّه قال: "أدِّب ابنك؛ فإنّك مسؤول عن ولدك ماذا أدّبته وماذا علّمته، وإنّه مسؤول عن برك وطاعتك".
إنّ أعداءنا حاربونا بالسلاح ولا يزالون يحاربوننا به .. ولكنّهم وجدوا أنّ هذه الطريقة لا تحقق لهم بغيتهم كاملة، فأضافوا إلى طريقة القمع والتدمير بالسلاح الفتّاك تدميرَ الفكر وإفساد الأخلاق؛ فأنشؤوا هذه المدارس.
وإنّي لأقول: إذا أتقن ولد من أولادنا ـ نحن المسلمين ـ اللغات الأجنبية والعلوم التقنية وأضاع دينه وخلقه كان من الخاسرين الخسارة العظمى؛ إذ كان من الهالكين الخالدين المخلدين في نار جهنم؛ لأنّ من ترك دين الإسلام ومات على ذلك كان خالدًا في النّار، والعياذ بالله تعالى.
إنّك ـ أيّها الأب المؤمن الكريم ـ تخشى على ابنك أن يمسّه الأذى أو يصيبه المرض، بل إنّك تخشى عليه أن يبرد في الليل إذا انحسر اللحاف عنه فتسارع إلى تغطيته .. ؛ فكيف ترضى أن يتعرض إلى ذاك المصير الفظيع؟! .. نسأل الله العافية.
كيف ترضى يا أخي أن يتخرج ولدك من المدرسة الأجنبية وقد تجرد من عقيدته الإسلامية ومن حميّته العربية؟!
كيف ترضى يا أخي أن يخرج ولدك وقد أصبح يرى أنّ ما تعتقده أنت وأمثالك باطل وأنّ ديننا هو سبب تخلفنا؟!
قال الأستاذ أحمد حسن الزيات: "إن الاستعباد المادي دهمنا أمس على يد الآباء، والاستعباد الأدبي يدهمنا اليوم على يد الأبناء. وشتّان بين استعباد كان عن اضطرار وجهل، واستعباد يكون عن اختيار وعلم، والعبودية العقلية أشدّ خطرًا وأسوأ أثرًا من العبودية الجسمية؛ لأنّ هذه لا تتعدّى الأجسام والحطام والعَرَض، ومثلها مثل الجسم يُرجى شفاؤه متى عرف داؤه. أمّا تلك فحكمها حكم العقل إذا ذهب، والروح إذا زهقت، وهيهات أن يُرجى لمخبول شفاء، أو ينتظر لمقتول رجعة! ".
وقال الشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية في مقال نشره في جريدة الوقائع بتاريخ 24 آب سنة 1887م: "إنّنا نعيد إنذار الآباء ـ هداهم الله ـ بأن لا يسلكوا بأولادهم في التربية مسالك توجب لهم قلق الفكر وتشويش البال، وأن لا يبعثوا بأبنائهم إلى المدارس الأجنبية التي تغيّر مشاربهم ومذهبهم، وأنّ ما سبق منّا نشره في الأعداد الماضية يبيّن أنّ المعاشرة نفسها تؤثّر في العقيدة؛ فلا يؤمَن على الأطفال من تغيير المذاهب".
وقال ـ رحمه الله ـ: "إنّ بعض المسلمين يرسلون أولادهم إلى تلك المدارس طمعًا في تعليمهم بعض العلوم المظنون نفعها في معيشتهم، أو تحصيلهم بعض اللغات الأوروبية التي يحسبونها ضرورية لسعادتهم في مستقبل حياتهم".
وقال: "ولم يختصّ هذا التساهل المحزن بالعامّة والجهّال، بل تعدّى لبعض المعروفين بالتعصب في دينهم، بل ببعض ذوي المناصب الدينية الإسلامية!
وأولئك الضعفاء أولاد المسلمين يدخلون إلى تلك المدارس الأجنبية في سنّ السذاجة وغرارة الصبا والحداثة، ولا يسمعون إلاّ ما يخالف أحكام الشرع المحمدي، بل لا يطرق أسماعهم إلاّ ما يزري على دينهم وعقائد آبائهم؛ فلا تنقضي سنوات تعليمهم إلاّ وقد خوت قلوبهم من كل عقيدة إسلامية، وأصبحوا كفارًا تحت حجاب اسم الإسلام. ولا يقف الأمر عند ذلك، بل تُعقد قلوبهم على محبة الأجانب وتنجذب أهواؤهم إلى مجاراتهم، ويكونون طوعًا لهم فيما يريدونه منهم، ثم ينفثون ما تدنست به قلوبهم بين العامّة بالقول والفعل، فيصيرون ويلاً على الأمة ورزية على الدولة".
ألا فلنتق الله في أولادنا، ولنحذر أن نكون سببًا في ضلالهم .. ومن ثم نكون سببًا في عقوقهم لنا.
هناك حقيقة واقعية دلّ عليها واقع الحياة؛ وهي أنّ الذي يضيّع أولاده ويتهاون في تربيتهم وإرشادهم، ولا يبالي بدينهم بقي أم ذهب، سيُحرم برّهم، وسيفقدهم في الوقت الذي يكون في أشدّ الحاجة إليهم.
إنّنا لا نريد أن يكون مصير آبائنا وأمهاتنا كمصير الآباء والأمهات في أوروبا؛ يُلْقَوْنَ في مأوى العجزة ولا يتعرّف عليهم أولادهم بالرعاية والعناية والاهتمام والحنان.
¥