تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنّ الطفل لا يبقى طفلا، بل سيكون عما قريب رجلاً يتبنّى رأيًا، وإنّ هذه المدارس تدسّ السمّ الزعاف، ويتجرعه هؤلاء الأطفال الأبرياء، والمسؤول عنهم هم الآباء والأمهات الذين ألقوهم في هذا المكان الموبوء؛ فأخطؤوا وما أصابوا، وخرج هؤلاء الأولاد رجالاً يحققون للدول الأجنبية ما تريد من السيطرة والغلبة، ويسخرون من معتقدات أمتهم وعاداتها: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [شورة الكهف: 103 - 104].

مرة أخرى أؤكد أنّ الدول الأجنبية تجتهد في فتح هذه المدارس، وتنفق عليها الأموال الطائلة، لِما ترجو من أنّ هؤلاء الطلاب سيكونون عاملين على إزالة كل العقبات أمام انتشار دينها وسيطرة أهلها على بلاد المسلمين وخيراتهم.

إنّ تحصيل العلم أمر مهمّ، ولكن شأن العقيدة والخلُق أهم.

وقد أشرنا في صدر هذه الكلمة إلى إفساد هذه المدارس سلوك الطلاب والطالبات الذين يدخلون فيها، ومن عوامل هذا الإفساد الاختلاطُ بين البنين والبنات في كل مراحل الدراسة، ومعلوم أنّ الفتى والفتاة في مرحلتي الدارسة ـ المتوسطة والثانوية ـ يتعرضون بحكم الفطرة التي فطر الله النّاس عليها إلى هجمة عنيفة من الجنس؛ وإفساد السلوك أسرع من إفساد الفكر.

أقول: إذا كان هذا الفساد والانحلال مستساغًا عند الأوروبيين فإنّه غير مقبول عندنا ـ معشرَ المسلمين ـ بحال من الأحوال.

وفي بعض هذه المدارس هجوم على اللغة العربية وازدراء لها، ويُمنع الطلاب فيها من التكلم بالعربية، وإذا ضُبط طالب يتكلم بها عوقب؛ زعمًا منهم أنّهم يريدون تقوية اللغة الأجنبية عند الطلاب، وهذا له تأثير نفسي غير سليم.

إنّ اللغة العربية بالنسبة لنا نحن المسلمين هي الوعاء الذي فيه كتاب ربّنا وسنة نبينا؛ فالإساءة إليها إساءة كبيرة.

قد يقول قائل: إنّكم تبالغون في تصوير خطر هذه المدارس .. ؛ فهناك عدد من الأولاد درسوا في هذه المدارس وخرجوا منها وهم محافظون على دينهم وأخلاقهم!

ونقول: إنّ هؤلاء أتيحت لهم عوامل خارجية جعلتهم يحافظون على عقيدتهم وأخلاقهم؛ لِكونهم يعيشون في أسرة ملتزمة ويتقلبون في بيئة صالحة يتوافر لهم فيها العلم والتوجيه والإرشاد والوعي .. وهذا لا يتوافر لكل طالب. ومهما يكن من أمر؛ فهؤلاء الأولاد قلة إذا قيسوا ببقية الطلبة .. وفي الحِكم الشائعة: أنّ الشاذ يؤيد القاعدة ولا يخرقها.

وقد يقول قائل: في هذه المدارس عدد من المزايا لا توجد في مدارسنا الإسلامية!

نقول: إنّ في كل أمر في هذه الدنيا مزايا ورزايا؛ فالعاقل يوازن بين هذه وتلك في كل أمر؛ فما غلبت مزاياه أخذ به، وما غلبت رزاياه تركه واجتنبه.

والرزايا هنا ـ من ضياع الدين والخُلُق ـ أكبر بكثير من المزايا التي يذكرونها. ثم لماذا لا نعمل على إيجاد هذه المزايا في مدارسنا، والإسلام يدعونا إلى ابتغاء الأحسن وإلى أن نتقن أعمالنا التي نقوم بها؟! لماذا لا نصلح مدارسنا ونجعلها جذابة؟

هناك إحصائيات في عدد المدارس الأجنبية مذهلة ومؤلمة .. وهناك بيانات في مناهج هذه المدارس مذهلة ومؤلمة .. وكنت أود أن أُورد نماذج منها لولا أنّني رأيت أنّها قديمة.؛ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!

وبعد، فإنّ على علماء المسلمين وعلى رجال الفكر والكتّاب ورجال الإعلام أن ينبهوا على هذا الخطر العظيم المحدق بالأمة.

والله ولي التوفيق، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الشيخ/ د. محمد الصباغ

مجلة البيان

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير