وقيل: جميعُ الحيوان ضربان: أَعجمُ وفَصيح، فالفصيح كلُّ ناطق، والأَعجمُ كلُّ ما لا ينطق. وفي الحديث: غُفِر له بعدد كل فَصِيح وأَعْجَم؛ أَراد بالفصيح بني آدم، وبالأَعجم البهائم. والفَصِيح في اللغة: المنطلق اللسان وقد أَفْصَح الكلامَ وأَفْصَح به وأَفْصَح عن الأَمر. ويقال: أَفْصِح لي يا فلان، ولا تُجَمْجمْ؛ قال: والفصيح في كلام العامة المُعْرِبُ.) (ابن منظور، لسان العرب، باب الفاء، مكتبة إحياء التراث العربي)
في اصطلاح أهل المعاني، عبارة عن الألفاظ البينة الظاهرة المتبادرة الى الفهم، والمأنوسة الاستعمال بين الكتاب والشعراء لمكان حسنها.
وهي تقع وصفا للكلمة، والكلام، والمتكلم، حسبما يعتبر الكاتب اللفظة وحدها أو مسبوكة مع أخواتها.
ركائز الفصاحة:
* فصاحة الكلمة
فصاحة الكلمة سلامتها من أربعة عيوب هي:-
1. تنافر الحروف
2. غرابة الاستعمال
3. مخالفة القياس
4. الكراهة في السمع ... وفيما يلي بيان لكل منها،
الأول (تنافر الحروف)
هو وصف في الكلمة يوجب ثقلها على السمع وصعوبة أدائها باللسان بسبب كون حروف الكلمة متقاربة المخارج وهو نوعان:
1. شديد الثقل كالظش " للموضع الخشن " ونحو: هعخع " لنبت ترعاه الإبل " من قول أعرابي:
تركت ناقتي ترعى الهعخع
2. وخفيف كالنقنقة " لصوت الضفادع " والنقاخ " للماء العذب الصافي " ونحو: مستشزرات " بمعنى مرتفعات " من قول امرئ القيس يصف شعر ابنة عمه:
غدائره مستشزرات إلى العلا تضل العقاص في مثنى ومرسل
ولا ضابط لمعرفة الثقل والصعوبة سوى الذوق السليم والحس الصادق الناجمين عن النظر في كلام البلغاء وممارسة أساليبهم.
الثاني (غرابة الاستعمال)
وهي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى ولا مألوفة الاستعمال عند العرب الفصحاء، لأن المعول عليه في ذلك استعمالهم، والغرابة قسمان:
1. ما يوجب حيرة السامع في فهم المعنى المقصود من الكلمة لترددها بين معنيين أو أكثر بلا قرينة. وذلك في الألفاظ المشتركة " كمسرج " من قول رؤبة بن العجاج:
ومقلة وحاجبا مزججا وفاحما ومرسنا مسرجا
فلا يعلم ما أراد بقوله " مسرجا " حتى اختلف أئمة اللغة في تخريجه فقال ابن دريد يريد أن أنفه في الاستواء والدقة كالسيف السريجي، وقال ابن سيده يريد أنه في البريق واللمعان كالسراج، فلهذا يحتار السامع في فهم المعنى المقصود لتردد الكلمة بين معنيين بدون قرينة تعين المقصود منهما.
فلأجل هذا التردد، ولأجل أن مادة فعل تدل على مجرد نسبة شيء لشيء لا على النسبة التشبيهية كانت الكلمة غير ظاهرة الدلالة فصارت غريبة.
وأما مع القرينة فلا غرابة كلفظة " عزر " في قوله تعالى (فالذين آمنو وعزروه ونصروه) فانها مشتركة بين التعظيم والإهانة – ولكن ذكر النصر قرينة على ارادة التعظيم.
2. ما يعاب استعماله لاحتياج الى تتبع اللغات وكثرة البحث والتفتيش في المعاجم " قواميس متن اللغة المطولة ":
أ. فمنه ما يعثر فيها على تفسير بعد كد وبحث نحو: تكأكأتم بمعنى اجتمعتم من قول عيسى بن عمرو النحوي:
ما لكم تكأكأتم على كتكأكئكم على ذي جنة افرنقعوا عني، ونحو مشمخر في قول بشر بن عوانه يصف الأسد:
فخر مدرجا بدم كأني هدمت به بناء مشمخرا
ب. ومنه ما لم يعثر على تفسيره نحو " جحلنجع " من قول أبي الهميسع:
من طمحة صبيرها جحلنجع لم يحضها الجدول بالتنوع
الثالث (مخالفة القياس)
كون الكلمة غير جارية على القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب؛ بأن تكون على خلاف ما ثبت فيها عن الواضع، مثل " الأجلل " في قول أبي النجم:
الحمد لله العلي الأجلل الواحد الفرد القديم الأول
فان القياس الأجل بالإدغام ولا مسوغ لفكه. وكقطع همزة الوصل في قول جميل:
ألا لا أرى إثنين أحسن شيمة على حد ثان الدهر مني ومن جمل
يستثنى من ذلك ما ثبت استعماله لدى العرب مخالفا للقياس.
ولم يخرج عن الفصاحة لفظتا المشرق والمغرب بكسر الراء والقياس فتحها فيهما وكذا لفظتا المدهن والمنخل والقياس فيهما مفعل بكسر الميم وفتح العين وكذا نحو قولهم عور والقياس فيهما عار لتحرك الواو وانفتاح ما قبلها.
الرابع (الكراهة في السمع)
¥