وواكب ذلك إطفاء لروح العربية "الدينية" في تناقض عجيب، فبينما كان الثوريون والقوميون الجدد يسبحون بحمد العروبة السياسية الشعوبية، كانت العروبة الدينية محل السخرية والاستهزاء، فصار طالب العلم الذي يتكلم الفصحى محل تندر في السينما والمسرح ووسائل الإعلام، وصار مدرس اللغة العربية ضيفا ثقيلا، بخلاف مدرس اللغات الأجنبية التي تؤهل دارسها إلى الحصول على فرصة العمل في ظل مقاييس مادية بحتة، لا تقيم للروح وزنا.
وصدر الغرب إلينا: أساتذة وعمداء للأدب العربي اقتاتوا على فتات موائدهم، فتشبعوا بالشبهات، مع ضغينة سابقة في قلوبهم للإسلام ولغته، فصاروا، وهم حماة اللغة، أول مهاجميها، فمن قائل بفصل مصر عن الشرق المسلم، باعتبارها جزءا من منظومة البحر الأبيض المتوسط، ولا مناص، بزعمه، من تلقف الحضارة الغربية بكل مساوئها ليلتحق العرب بركب الإنسانية!!!، ومن مشكك في تراث أمة الإسلام الشعري، تمهيدا للتشكيك في نصوص الوحي: قرآنا وسنة، ومن قائل بتطبيق التجربة الأتاتوركية في مصر باستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية في الكتابة، ومن قائل باستبدال العامية بالفصحى ............. إلخ من الدعوات الهدامة التي تشي بجهل أو حقد أصحابها على الوحي المنزل ممثلا في لغته.
وفي الوقت نفسه: عمل الغرب على طمس الهوية العربية الإسلامية في كثير من البلاد، ولعل تجربة فرنسا: زعيمة الحرية والمساواة والإخاء، كما تزعم، في الجزائر الحبيب خير شاهد على ذلك.
وفي مقابل ذلك عمل الغرب على إحياء اللغات الميتة في العالم الإسلامي، فأنشئت الأكاديميات المتخصصة لدراسة لغات كـ: "الأمازيغية"، و "الهيروغليفية" ........... إلخ في محاولة لبعث الجاهليات القديمة التي بددت شمس الإسلام ظلامها، وتم ذلك، بطبيعة الحال تحت شعار: البحث العلمي المتجرد الذي لا يكون كذلك إلا بتخلي المسلمين عن ثوابتهم لصالح عدو متعصب يسعى لهدم دينهم باسم: "الموضوعية".
والمتتبع لوصف العروبة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يجد أنه كثيرا ما يرد في معرض الذم كما في:
قوله تعالى: (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ)، فنكلوا عن الخروج إلى الجهاد، ثم جاءوا معتذرين.
وقوله تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
وقوله تعالى: (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وقوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ).
وقوله تعالى: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ).
وقوله تعالى: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ).
وقوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)، وإن كانت الآية قد أثبتت لهم نوع إسلام مصحح لأعمالهم فليسوا بمنافقين، وإنما لما يدخل الإيمان في قلوبهم بعد.
وبوب البخاري رحمه الله:
بَاب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ
وفيه حديث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، رضي الله عنه، مرفوعا: (لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ قَالَ الْأَعْرَابُ وَتَقُولُ هِيَ الْعِشَاءُ).
فجعل مجرد مشابهتهم في اللفظ: مظنة النقص.
وعند أحمد، رحمه الله، في مسنده، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: "مَنْ بَدَا جَفَا وَمَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتُتِنَ".
¥