تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالغالب على الأعراب: الجفاء، ولذا لم تبعث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، إلا في المدر.

وعند مسلم، رحمه الله، من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، مرفوعا: (لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا إِنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ).

يقول ابن حجر، رحمه الله، في "الفتح": "وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيّ عَنْ غَيْره: إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ تَنْزِيهًا لِهَذِهِ الْعِبَادَة الشَّرْعِيَّة الدِّينِيَّة عَنْ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهَا مَا هُوَ اِسْم لِفَعْلَةٍ دُنْيَوِيَّة وَهِيَ الْحَلْبَة الَّتِي كَانُوا يَجْلِبُونَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَيُسَمُّونَهَا الْعَتَمَة. قُلْت (أي: ابن حجر رحمه الله): وَذَكَرَ بَعْضهمْ أَنَّ تِلْكَ الْحَلْبَة إِنَّمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهَا فِي زَمَان الْجَدْب خَوْفًا مِنْ السُّؤَال وَالصَّعَالِيكِ، فَعَلَى هَذَا فَهِيَ فَعْلَةٌ دُنْيَوِيَّة مَكْرُوهَة لَا تُطْلَقُ عَلَى فَعْلَةٍ دِينِيَّة مَحْبُوبَة". اهـ

وفي المقابل أنكرت الشعوبية الحاقدة كل فضل للعرب، فنسبتهم إلى البداوة والجفاء بإطلاق، وغضت الطرف عن فضائل العرب، أصحاب الحافظة الواسعة، والمنطق القوي، والطبيعة الخيرة التي تحاكي الصحراء بساطة ووضوحا، وبدأ كيد الأعاجم للعرب، حملة الرسالة، مذ قوضوا أركان إمبراطورياتهم، فانتقلت المعركة، كما يقول ابن خلدون، رحمه الله، من ساحة الطعن والسنان إلى ساحة الحجة والبرهان، فتظاهر كثير منهم بدخول الإسلام، رغبة في هدم بنيانه، ببث الشبهات والآراء الفاسدة التي ورثوها عن دياناتهم القديمة في صفوف ضعاف العقول من المسلمين تحت ستارات عدة: فمن تولي آل البيت، رضوان الله عليهم، إلى ترجمة كتب الفلسفة الإغريقية الوثنية، وغالب من تولى كبر هذا الأمر كان من غير المسلمين أو المسلمين الأعاجم الذين لم يتضلعوا من علوم أهل الإسلام، وكلما تمكن القوم من العرب أذاقوهم الويلات، ولعل سقوط بغداد الحبيبة في قبضة التتر الأول سنة 656 هـ، والتتر الجدد سنة 1424 هـ، خير شاهد على ذلك فلم يأل العجم جهدا في ممالئة الغازي ضد العرب أصحاب الأرض.

الشاهد أن الناس قد صاروا في هذه القضية ما بين: متعصب جاهل وشعوبي حاقد , و: كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان فضل جنس العرب على جنس العجم:

"وسبب هذا الفضل - والله أعلم - ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم، وذلك أن الفضل: إما بالعلم النافع، وإما بالعمل الصالح، والعلم له مبدأ، وهو: قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ، وتمام وهو: قوة المنطق، الذي هو البيان والعبارة، والعرب هم أفهم من غيرهم، وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة، ولسانهم أتم الألسنة بياناً وتمييزاً للمعاني، جمعاً وفرقاً، يجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل ............. وأما العمل: فإن مبناه على الأخلاق، وهي الغرائر المخلوقة في النفس، وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم، فهم أقرب للسخاء، والحلم والشجاعة، والوفاء، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير، معطلة عن فعله، ليس عندهم علم منزل من السماء، ولا شريعة موروثة عن نبي، ولا هم - أيضاً - مشتغلين ببعض العلوم العقلية المحضة، كالطب والحساب، ونحوها، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم: من الشعر والخطب، أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم، أو من الحروب.

فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى: الذي ما جعل الله في الأرض، ولا يجعل أمرا أجل منه وأعظم قدرا، وتلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة لهم، ومعالجتهم على نقلهم عن تلك العادات الجاهلية، والظلمات الكفرية، التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتها فلما تلقوا عنه ذلك الهدي العظيم، زالت تلك الريون عن قلوبهم، واستنارت بهدى الله الذي أنزل على عبده ورسوله، فأخذوا هذا الهدي العظيم، بتلك الفطرة الجيدة، فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم، والكمال الذي أنزل الله إليهم -: بمنزلة أرض جيدة في نفسها، لكن هي معطلة عن الحرث، أو قد نبت فيها شجر العضاة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير