تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الله عنهم بقوله: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا)، والنصارى تجيز لأحبارهم ورهبانهم شرع الشرائع ونسخها، فلذلك لا ينضبط للنصارى شريعة تحكى مستمرة على الأزمان، (ولو سألت جمعا منهم عن أصل في دينهم أو فرع فإنك تجد اضطرابا واختلافا في الإجابات يصدق عليه قوله تعالى: "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا") "

بتصرف من: اقتضاء الصراط المستقيم، ص 319، 320.

وهذا يعني باختصار أن من يهنئهم بهذا العيد المبتدع، فإنما يهنئهم على قيام الرب بعد صلبه، أو ابن الرب، على خلاف بين طوائفهم، ليصعد إلى السماء ويمارس مهامه بعد أن بقيت الأرض ثلاثة أيام بلا إله!!!!.

تعالى الملك الحق عما يقوله الظالمون علوا كبيرا، فقد سبوه سبة ما سبه بها أحد من العالمين، فنسبوا إليه النقص والعجز، فلم يستطع أن يدفع عن نفسه قاتليه، بل أسلم إليهم الناسوت ليصلبوه فداء للنوع الإنساني!!!، وثنية موروثة عن الأمم السابقة التي لا دين لها، فهي نظيرة العقيدة "المترائية" القديمة التي لابد فيها من قربان للآلهة، وأقدس القرابين: اللاهوت الذي اتحد بالناسوت!!!!، فلم يجد رب العالمين تبارك وتعالى أقدس من ذاته العلية ليقدمها قربانا لافتداء البشرية بعد أن عجز عن مغفرة خطيئة آدم!!!، فأي سوء ظن برب العالمين بعد هذا، وهو الذي وصف نفسه بقوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

فالحمد لله على نعمة الإسلام أولا، والعقل ثانيا.

ويصف شيخ الإسلام، رحمه الله، تقليد المسلمين الأعمى لأهل الكتاب في هذا العيد بقوله:

"فأما ما لم يكن في ديننا بحال، بل هو من دينهم، المبتدع أو المنسوخ، فليس لنا أن نشابههم لا في أصله، ولا في وصفه ............... فإحداث أمر ما في هذه الأيام التي يتعلق تخصيصها بهم لا بنا، هو مشابهة لهم في أصل تخصيص هذه الأيام بشيء فيه تعظيم، .............. ويزيد ذلك وضوحاً أن الأمر قد آل إلى أن كثيراً من الناس صاروا، في مثل هذا الخميس، الذي هو عيد الكفار - عيد المائدة - آخر خميس في صوم النصارى الذي يسمونه الخميس الكبير - وهو الخميس الحقير - يجتمعون في أماكن اجتماعات عظيمة ويصبغون البيض ويطبخون باللبن، وينكتون بالحمرة دوابهم، ويصنعون الأطعمة التي لا تكاد تفعل في عيد الله ورسوله، ويتهادون الهدايا التي تكون في مثل مواسم الحج، وعامتهم قد نسوا أصل ذلك وعلته، وبقي عادة مطردة كاعتيادهم بعيدي الفطر والنحر وأشد واستعان الشيطان في إغوائهم بذلك أن الزمان زمان ربيع، وهو مبدأ العام الشمسي، فيكون قد كثر فيه اللحم واللبن والبيض ونحو ذلك، مع أن عيد النصارى ليس هو يوماً محدوداً من السنة الشمسية، وإنما يتقدم فيها ويتأخر، في نحو ثلاثة وثلاثين يوماً كما قدمناه.

وهذا كله تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" وسببه: مشابهة الكفار في القليل من أمر عيدهم، وعدم النهي عن ذلك، وإذا كانت المشابهة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض هذه القبائح كانت محرمة، فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله، من التبرك بالصليب والتعميد في العمودية، أو قول القائل: المعبود واحد، وإن كانت الطرق مختلفة ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن إما كون الشريعة النصرانية واليهودية، المبدلتين المنسوختين - موصلة إلى الله، (كما يقول أهل الاتحاد قديما وأذنابهم من دعاة وحدة الأديان حديثا)، وإما استحسان بعض ما فيها، مما يخالف دين الله، أو التدين بذلك، أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله وبالقرآن وبالإسلام بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك، وأصل ذلك المشابهة والمشاركة.

وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية، وبعض حكمة ما شرعه الله لرسوله من مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة أمورهم، لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر، وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس". اهـ

بتصرف من "اقتضاء الصراط المستقيم"، ص 324، 325.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير