فالنهي عن مشاركتهم في هذه الاحتفالات المبتدعة إنما هو من باب: سد الذرائع الموصلة إلى الإعجاب بمللهم الباطلة المناقضة لأصل دين الإسلام، فهو أول خطوة في طريق الانسلاخ من الملة.
وقبله تكلم شيخ الإسلام، رحمه الله، عما أمرنا بمخالفتهم فيه باعتبار الوصف لا الأصل، كصيام يوم عاشوراء، فقد أمرنا بصيامه وهذا موافقة لليهود من وجه، واستحب لنا صيام يوم قبله أو بعده معه، وهذا مخالفة لهم من وجه آخر، فلابد أن يحصل نوع تميز بين المسلم والكافر سواء أكان ذلك في العقائد أو الشرائع أو حتى الهدي الظاهر.
فمشاركتهم في أعيادهم: تشبه بهم في أمر يختص بمعتقدهم، فإن الأعياد علامة فارقة بين أهل الملل، فلكل قوم عيد، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والعيد غالبا ما يرتبط بعبادة، فيكون بعد نهاية صوم، أو ما شابهه من العبادات المجهدة، كما في عيد المسلمين فإنه يأتي بعد صوم أو حج، فيكون من باب التوسعة على المكلفين بعد تكبدهم مشقة العبادة، ولذا شرع التوسع في المآكل والمشارب والمناكح في أيام الأعياد، وكذا الحال في أعياد النصارى المبتدعة، فإنها تأتي بعد صيامهم، فتكون مظنة التوسع في الشهوات، والناظر في حالهم الآن، يجدهم حريصين على معاقرة المنكرات في أعيادهم، فالنساء متبرجات، والضجة عالية، ولسان حالهم: النكاية في المسلمين بإظهار شعار الباطل، لا مجرد الاحتفال، فالعجب ممن يهنئهم بل ويشاركهم في إظهار الباطل وغيظ قلوب المؤمنين.
وفي الوقت الذي يدشن فيه القوم قنوات فضائية مأجورة للطعن في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعرضه الشريف، يسارع السذج والمغفلون وأصحاب "الدم البارد" ممن انتسبوا إلى العلم، ولا غيرة عندهم إلا على كراسيهم، يسارع كل أولئك في تهنئة القوم ومشاركتهم في باطلهم، بدعوى: التسامح مع الآخر، وهي الدعوى التي ميعت عقيدة الولاء والبراء في قلوب الموحدين، فلم تعد تعرف معروفا ولا تنكر منكرا.
و: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ).
فلن يزداد القوم إلا كبرا وغرورا بتزلفنا المقيت لهم، ولو أننا أريناهم عزة الإسلام، دون أن نظلمهم حقهم الذي كفله الشارع عز وجل، ما استطالوا علينا، ولعرفوا عظمة الدين الحق.
الشاهد أن: العيد: جامع بين أمر الدين والدنيا، "فهو يجمع: عبادة: وهو ما فيه من صلاة، أو ذكر، أو صدقة أو نسك، ويجمع: عادة، وهو ما يفعل فيه من التوسع في الطعام واللباس، أو ما يتبع ذلك من ترك الأعمال الواظبة، واللعب المأذون فيه في الأعياد لمن ينتفع باللعب ونحو ذلك". بتصرف من "اقتضاء الصراط المستقيم"، ص285.
فهو شعيرة من جهة اختصاص كل ملة بأعيادها، وهو عادة من جهة ما اعتاد الناس على صنعه فيه من توسع في مباح أو تعد، كما هو حاصل حتى في أعياد المسلمين التي صارت هي الأخرى مظنة الوقوع في المحرمات بحجة التوسعة على النفس والأهل.
ولذا فإن نفوس البطالين تأنس في مثل هذه الأيام، ولو كانت لغير المسلمين، ففيها من اللهو والباطل ما يملأ أوقاتهم، فتجدهم أسرع الناس إلى فتنة وأبطأهم إلى طاعة، فإذا تشبعوا من باطل القوم قلت رغبتهم في الحق، فتجد هممهم منصرفة إلى الاحتفال بأيامهم، فإذا جاءت أيامنا وجدت الخمول وقلة الرغبة في إظهار شعار الحق.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله:
"ومن شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة، وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظيم محبته له ومنفعته به ويتم دينه، ويكمل إسلامه.
¥