تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا تضيف شيئاً ذا بال إلى المعرفة، ولو أهملناها إهمالاً تاماً لم نفقد شيئاً، بينما

كثير من الكتب النفيسة الأصيلة في العلم لا تزال تقبع في عالم النسيان؛ إما لأنها

كتب كبيرة يحتاج إخراجها وتحقيقها إلى جهدٍ أكبر، وإلى نفقات قد تكون باهظة

يعجز عنها الأفراد المعنيون بهذا التراث الحريصون عليه؛ أو لأنها ليست ذات

شهرة عريضة عند كثير من طلاب العلم أو المحققين مثلاً، فهي تحتاج إذن إلى من

يعرّف بها ويتحمل مسؤولية القيام بتحقيقها وإشاعتها، وإن كنا نجد في الآونة

الأخيرة عناية ببعض هذه الآثار واتجاهاً إليها، وبخاصة في الجامعات والمعاهد

والدراسات العليا، ونسأل الله تعالى أن يبارك في جهود العاملين، ويكتب لهم

التوفيق والسّداد.

4 - إغفال نشر الكتب السهلة، الميسورة الفهم، التي يمكن الانتفاع بها على

نطاق واسع، والعناية بالكتب المعقدة أحياناً لغزارة مادتها، وقلة حجمها، فهي أشبه

ما تكون بالألغاز والأحاجي، أو على الأقل: قد تحتاج إلى وقت طويل وعناء كبير

كي تحلّ ألفاظها، وتعيد ضمائرها، وتفهم مراد مؤلفها. وإن كان هذا لا يعني أننا

ندعو دائماً إلى السهل حتى ولو كان قليل الفائدة، وننصرف عن الصعب مما فيه

فائدة؛ فقد يكون الكتاب الموجز، الصغير في حجمه، الجامع في مضمونه، قد

يكون هذا الكتاب عمدةً في علمٍ من العلوم ينبغي العناية به: حفظاً ودراسة وفهماً.

5 - تلك الظاهرة التي عمّتْ كثيراً من الأقطار، والتي تتمثل في عملية خداع

وتدليس، بسلخ بعض الأبواب أو الفصول أو المباحث من كتابٍ كبير، ثم نشره

باسم جديد، يوهم بأنه تأليف مستقل، وفي هذا تغرير بالقارئ، وخطورة في عملية

التوثيق في البحث العلمي، وسَطْوٌ على جيوب القرّاء وأموالهم، يدفع إلى ذلك

جشعٌ وتهافت على الربح السريع من أقصر الطرق، دون نظر إلى حلالٍ أو حرام،

ودون رقابة ذاتية أو غير ذاتية.

6 - ومما يمكن أن نضيفه هنا من ملاحظات: تكرار العمل الواحد، دون

وجود ما يسوّغ ذلك؛ فتجد كتاباً أنفق فيه محقّقهُ جهداً كبيراً، ومالاً وفيراً،

للحصول على مخطوطاته وتصويرها، ثم حققه تحقيقاً يفي بالغرض، وبإخراج

جميل يتناسب مع أهميته. وبعد ذلك يأتي محقق آخر يزيد بضع كلمات أو جملة

من الحواشي التي لا داعي لها، ويخرج الكتاب من جديد دون عناء ولا تكاليف،

فهو يأخذ الكتاب السابق فيدفعه للمطبعة لتقوم بطباعته من جديد بحروف أصغر مثلاً

وبطريقة متعبة للقارئ. ولو كان لهذا العمل ما يسوّغه لكان ذلك محموداً، فمثلاً:

لو حصل المحقق على مخطوطة أجود أو مخطوطة كاملة لكتاب طبع عن مخطوطة

ناقصة أو مخرومة مثلاً ... لكان له في ذلك عذر واضح ولكن لا تجد شيئاً من هذا.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

7 - ومن أهم السلبيات في التحقيق والنشر: ما يتصل بالمضمون ونوع

الكتاب ومحتواه؛ فقد اتجه المستشرقون أولاً إلى نوعٍ من الكتب القديمة تمثل اتجاهاً

فكرياً منحرفاً، وعملوا على نشر هذه الكتب وتحقيقها لإشاعة الانحراف بين

المسلمين، وإحياء المذاهب والحركات البدعية والباطنية، وإثارة النعرات،

وتشكيك الناس بالعقيدة والتاريخ الإسلامي ورجاله العظماء، ولتكون هذه الكتب

مصدراً لتصيّد الأخطاء ثم تضخيمها بقصد التشويه والطعن، وتابع المستشرقين

على هذه الطريق نَفَرٌ ممن يعيشون بين ظهراني المسلمين ويتكلمون بلغتهم.

وليس هذا كل ما يمكن أن يقال في هذا المجال، فهناك الشيء الكثير،

فحسبنا منه هذه اللمحات السريعة.

ولعل هذه الملاحظات، وكل ما يكتبه الغيورون، في هذا المجال، وهم أوْلى

مني وأقدر إن شاء الله لعل هذا كله يكون دافعاً للمعنيين لاتخاذ موقف قويّ سليم،

للحدّ من الظواهر السلبية، قياماً بالواجب، ونصحاً للأمة والملّة؛ فإن العلماء

نصوا على أنه يُحجر على المفتي الماجن، والطبيب الجاهل، والمُكاري المفلس،

فأوْلى أن يُحجر أيضاً على العابثين المتاجرين بتراثنا وأصولنا الثقافية.


(1) انظر: (قواعد تحقيق المخطوطات) د صلاح الدين المنجد، ص (7 - 8)، (محاضرات في تحقيق النصوص)، د أحمد محمد الخراط، ص (15 - 17)، (تاريخ الأدب العربي) لأحمد حسن الزيات، ص (424 - 425).
(2) انظر: (أوقفوا هذا العبث بالتراث) تأليف محمد عبد الله شاكر، ص (11 - 22).
(3) المرجع السابق، ص (118 - 124) ففيه طائفة من الكتب والمراجع الخاصة بذلك.

المرجع مجلة البيان العدد137 صفحة 46.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير