تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وانتشرت الكتب التي كانت تُطبع على نفقة بعض محبي العلم، وكان على رأس من قام على تصحيح الكتب وإخراجها الشيخ نصر الهوريني، والشيخ محمد عبد الرحمن المشهور بقُطّة العدوي.

وظلت مطبعة بولاق تعمل وحدها قرابة أربعين سنة، ثم ظهرت المطابع

الأهلية التي كانت أولها المطبعة الأهلية القبطية (الوطن فيما بعد)، ثم تلتها مطبعة وادي النيل، ثم تتابعت المطابع وتكاثرت. والذي يهمنا أن نقف أمام ثلاثة أمور جديرة بالتأمل في تقييم أعمال تلك المرحلة:

1 - حرص المطابع في كثير من منشوراتها على طبع كتاب أو أكثر بهامش الكتاب الأصلي أو بآخره لصلة ذلك بالكتاب، أو لمجرد نشر الكتب على أوسع نطاق. ومن الطريف أن نرى خمسة كتب مطبوعة في كتاب واحد، وفي صفحةٍ واحدة اجتمعت خمسها في الصلب والهامش مفصولة بجداول.

إن ظاهرة طبع الكتب بهامش كتب أخرى هي ظاهرة فريدة دالة بوضوح

على أن القوم كانوا في سباقٍ لنشر العلم وإذاعته.

2 - أن الذين تولوا طباعة الكتب وتصحيحها كانوا من طبقة المشايخ الفضلاء، ومن هؤلاء: الشيخ نصر الهوريني، ومحمد قُطّة العدوي، ومحمد الحسيني، وطه محمود، وغيرهم. وقد كان للكثير منهم تآليف فوق اشتغالهم بتصحيح الكتب؛ لكن يؤخذ عليهم أنهم لم يُعنوا بذكر الأصول المخطوطة التي اعتمدوها في إخراج

الكتب.

3 - أن القوم لم يُعنوا بالفهارس الفنية الكاشفة عن كنوز الكتاب المنشور، واكتفوا بذكر فهارس موضوعية موجزة.

ومع هذا كانت تلك المرحلة من أغنى وأخصب مراحل نشر التراث العربي وإذاعته، وهي بكل خيرها وعطائها قد أسلمت إلى ما تبعها من مراحل.

المرحلة الثانية: (مرحلة الناشرين النابهين):

وهم طبقة من عظماء الرجال، جاهدوا في سبيل نشر التراث جهاداً صادقاً دؤوباً، عَنَيْتُ: محمد أمين الخانجي، ومحب الدين الخطيب، ومحمد منير الدمشقي، وحسام الدين القدسي. ومن عجائب الاتفاق أن أربعتهم من أهل الشام، نزلوا مصر واتصلوا بعلمائها، وعملوا على طباعة الكتب ونشرها، وتأثروا بتلك الروح التي سرت في مطبعة بولاق من نشر الأصول والأمهات، مع العناية بدقة التصحيح وأمانة الأداء، وإن كانت قد تخلصت من الشكل الطباعي القديم المتمثل في طبع الكتب بهامش الكتاب الأصلي.

وأهم ما يميز منشورات هذه الطبقة: الحرص على ذكر مخطوطات الكتاب ووصفها؛ إلا أنها لم تُعن بالفهارس الفنية لما تنشره، إلا ما نراه من بعض مطبوعات الخانجي ومحب الدين الخطيب.

وممن يتصل بهذه الطبقة شيخان فاضلان وعالمان جليلان؛ أما الأول: فهو الشيخ محمد حامد الفقي حامل لواء السلفية، ومؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر، والذي أنشأ مطابع السنة المحمدية، ونشر فيها مؤلفاته وكثيراً من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وكتب الحنابلة وطبقات رجالها.

وأما الثاني: فهو الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، الذي يُعد صفحة حافلة من تاريخ نشر التراث العربي، قدّم وحده للمكتبة العربية ما لم تقدمه هيئة علمية مدعومة بالمال والرجال. وقد رُمي الرجل بأنه أعاد طبعات سابقة عليه مما أخرجته مطبعة بولاق ومطابع أوروبا، وأنه لم يعبأ بجمع مخطوطات الكتاب الذي ينشره، وأنه لم يضع الفهارس الفنية الجامعة لمسائل الكتاب المنشور.

لكن هذا لا ينقص من قدر الرجل وجهده الذي بذله في التصحيح وضبط

النص ضبطاً صحيحاً، وإضاءته بالشروح اللغوية التي تنفي عنه الجهالة

أوالغموض، مع العناية بعلامات الترقيم، وأوائل الفقرات، وعدم تداخل أجزاء الكلام. ويكفيه فضلاً أن كل من تعلم النحو في شرق الدنيا وغربها بعده مدين له بديْنٍ كبير لما بذله من جهد بالغ في إخراج كتب النحو في أسلوبٍ يمتع الدارس ويصقل اللسان.

المرحلة الثالثة: (مرحلة دار الكتب المصرية):

والتي تحمل كل سمات المنهج العلمي الدقيق في إخراج النصوص، والتي تأثرت إلى حدّ ما بمناهج المستشرقين الذين شُغلوا بتراثنا والذين استقوا زبدة مناهجهم من أصل تراثنا.

وكان صاحب الفضل في هذا بعد الله سبحانه أحمد زكي باشا، الذي قال عنه شكيب أرسلان: (كان يقظةً في إغفاءة الشرق، وهَبّة في غفلة العالم الإسلامي، وحياةً في وسط ذلك المحيط الهامد).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير